جانبي فروقة
يُعرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنهجه غير التقليدي في القيادة والتفاوض، والذي يتجلى بوضوح في كتابه الشهير «فن الصفقة» « The Art of the Deal» ففي هذا الكتاب، يشرح ترامب فلسفته في عقد الصفقات وكيفية ممارسة النفوذ واستغلال نقاط الضعف لدى الخصوم للوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة.
ويرتكز أسلوب ترامب في التفاوض على عدة مبادئ أساسية، أبرزها السيطرة على الموقف فهو يفضل أن يكون الطرف المهيمن في أي صفقة، مجبرًا الطرف الآخر على تقديم تنازلات والضغط والمراوغة حيث يعتمد على إبقاء الطرف الآخر في حالة عدم يقين، مما يجبره على تقديم عروض أفضل، واستخدام التهديدات الاقتصادية والعسكرية حيث إن ترامب يؤمن بأن القوة الاقتصادية والسياسية هي أدوات تفاوض رئيسية. والتحرك السريع والمباغتة حيث يفضل الرئيس ترامب اتخاذ قرارات مفاجئة وغير متوقعة تربك الخصوم وتدفعهم إلى موقف دفاعي.
اليوم، يواجه العالم تحديًا كبيرًا يتمثل في الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تستنزف الموارد الغربية وتعيد تشكيل النظام العالمي. ويبدو أن ترامب يتعامل مع هذه الأزمة بتطبيق مبدأ زوغزوانغ (Zugzwang) على الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وهو مصطلح شطرنجي ألماني يعني «الإجبار على الحركة». ويستخدم هذا المصطلح لوصف موقف يكون فيه اللاعب الذي عليه الدور في وضع سيئ للغاية، حيث تؤدي أي حركة يقوم بها إلى تفاقم وضعه وإذا ما طبق الرئيس ترامب هذا المبدأ يمكننا أن نتصور كيفية إخراج أوكرانيا من مأزق الحرب عبر التفاوض بدلا من الصراع المفتوح.
فأوكرانيا ستجد نفسها في موقف لا يسمح لها بالإنسحاب أو التقدم دون تكبد خسائر هائلة واستمرار الحرب يستنزف الاقتصاد الأوكراني ويزيد م الخسائر البشرية ويرهق الحلفاء الغربيين والتراجع أمام روسيا يعني خسارة أراض إستراتيجية وقد يفسر على أنه استسلام سياسي والضغط الأمريكي بدأ يتزايد مع تراجع الدعم المالي والعسكري مما يضع كييف في وضع حرج، الواضح أن ترامب له مقاربة مختلفة عن الرئيس الأسبق بايدن تجاه الأزمة فمنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 م تبنت إدارة الرئيس جو بايدن استراتيجية تعتمد على دعم أوكرانيا عسكريا واقتصاديا وفرض العقوبات على روسيا لإضعافها وتعزيز التحالفات داخل الناتو والرئيس ترامب أكد أنه لو كان في البيت الأبيض لما وقعت الحرب ولو حدثت لتمكن من إنهائها خلال 24 ساعة بالضغط على بوتين وزيلينسكي لعقد صفقة سلام ليحمي المصالح الأمريكية بدل الاستنزاف العسكري والاقتصادي الطويل حيث تقدر قيمة المساعدات الأمريكية العسكرية والاقتصادية والإنسانية لأوكرانيا أكثر من 60 مليار دولار.
وكما هدد الرئيس ترامب بتقليص الالتزامات للولايات المتحدة الأمريكية تجاه الناتو وأنه يجب على دول الناتو أن تزيد الإنفاق العسكري لحد 5 % من الناتج القومي وكما عودنا ترامب فهو رجل الصفقات واليوم يرى في موارد أوكرانيا الغنية بالمعادن النادرة فرصة استثمارية ويسعى لدفع زيلينسكي للتوقيع على معاهدة تضمن وصول الشركات الأمريكية إلى هذه الموارد النادرة مقابل استمرار الدعم السياسي والعسكري وفي مقابلة حديثة مع فوكس نيوز، قال ترامب إنه يريد أن تحصل الولايات المتحدة على معادن أرضية نادرة بقيمة 500 مليار دولار من أوكرانيا، وأشار إلى أن كييف «وافقت بشكل أساسي على القيام بذلك». وسيستغل الرئيس ترامب مخاوف الرئيس الروسي بوتين من العقوبات لتقديم تنازلات في المقابل والرئيس ترامب يفكر بإعادة توزيع الأدوار بين الناتو وأوروبا.
ربما ينجح ترامب بخبرته وقدرته على التفاوض في عقد الصفقات وإجبار الخصوم على تقديم تنازلات مما ينهي الحرب بسرعة، ولكن قد يكون لهذه الاستراتيجية أثر سلبي في إضعاف أوكرانيا على المدى الطويل مع الموقف الأوروبي بشكل عام وإعطاء روسيا نفوذا أكبر وخلق توترات جديدة.
وقد أعلن الرئيس ترامب أنه اتفق مع الرئيس بوتين للقاء وجها بوجه في وقت غير بعيد في المملكة العربية السعودية، وكما صرح وزير الدفاع الأمريكي هيجسيث أن الولايات المتحدة «لا تعتقد أن عضوية الناتو بالنسبة لأوكرانيا هي نتيجة واقعية لتسوية تفاوضية». ففي السياسة أحيانا كتيرة تختلف الحقيقة عن الحقائق على الأرض، ولذلك تحدث وزير الدفاع هيجسث عن الحاجة إلى التحلي بالواقعية، فقد لا يكون استعادة أوكرانيا لأراضيها المحتلة من قبل روسيا أمراً واقعياً في الأمد القريب وعلى نحو مماثل لم يكن من الواقعي لسنوات عديدة أن نتخيل استعادة دول البلطيق لاستقلالها عن موسكو أو إعادة توحيد ألمانيا، أو نهاية الستار الحديدي ولكن كل هذه الأمور الثلاثة حدثت ومن الممكن أن يحدث نفس الشيء مع أوكرانيا إذا ظل أصدقاء أوكرانيا ملتزمين ومثابرين.
** **
- كاتب أمريكي