منصور ماجد الذيابي
قد يبدو واضحا خلال كل الانتخابات الامريكية السابقة أن الناخب الأمريكي يدلي بصوته لا من أجل مصالح بلاده والدفع باتجاه تحقيق العدالة والسلام في كل أنحاء العالم، وإنما لانتخاب المرشح الأكثر انحيازا واحتضانا للكيان الاسرائيلي المحتل، ما يعني أن اللوبي اليهودي أو الفكر الصهيوني المتطرف هو المتحكم والمهيمن والمسيطر على صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأمريكية وكثير من دول أوروبا الغربية والشرقية.
ومثلما أشرت سابقا في مقال سابق بعنوان «ازدواجية المعايير الغربية والقضية الفلسطينية»، فإن جميع أحرار العالم يعلمون كما تعلم كذلك الهيئات الدولية والمنظمات الأممية أن للفيتو الأمريكي تاريخا طويلا وحافلا بعرقلة إصدار قرارات مجلس الأمن الدولي التي تعبّر عن رأي الأغلبية في المجتمع الدولي وتسعى لتحقيق الأمن والسلام العالمي واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة المتمثلة في استعادة أرضه المحتلة وعودة اللاجئين والنازحين جرّاء الحروب المتعاقبة منذ عام 1948 وحتى الحرب الأخيرة التي انطلقت شرارتها في السابع من أكتوبر تشرين أول 2023 على قطاع غزة بدعم عسكري من إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن والتي أودت بحياة اكثر من 60 ألف شهيد فلسطينيي من بينهم عشرات الآلاف من النساء والشيوخ والأطفال.. كان من بين وعود الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية الضغط باتجاه إحلال السلام في المنطقة العربية وإنهاء الحرب في أوكرانيا، وكذلك الدفع باتجاه وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بالتعاون مع الدول المؤثرة في الشرق الأوسط، غير أن مخطط تهجير الفلسطينيين الذي أعلنت عنه إدارة الرئيس الأمريكي مؤخرا وتناقلته جميع وسائل الإعلام قد عبـّر عن خيبة أمل المجتمع الدولي من تلك الوعود الكاذبة والمناورات السياسية الرامية إلى كسب أصوات اليهود وغير اليهود في إيصاله مرة أخرى إلى البيت الأبيض حيث أصدر ترامب مرسوما يقضي بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية التي تمكنت خلال السنة الأخيرة من ولاية جو بايدن من إصدار مذكرة اعتقال بحق الصهيوني المتطرف بنامين نتنياهو الذي رفض كل قرارات الشرعية الدولية، وتجاهل إرادة المجتمع الدولي ومطالب أحرار العالم رغم معارضة بعض من الوزراء في حكومته، وأيضا معارضة ذوي الأسرى ونشطاء السلام لسياسة زعيم حزب الليكود اليهودي الذي يعاني من انخفاض شعبيته بعد قضايا الفساد التي تلاحقه في المحاكم الإسرائيلية وفشله الذريع في تحقيق الأمن الذي يبحث عنه لصالح المجتمع الإسرائيلي بين أنقاض المباني المدمّرة وأشلاء الضحايا الأبرياء، كما أشرت في مقال بعنوان «البحث عن الأمن بين أشلاء الأبرياء».
وبعد تولي ترامب لمهامه في البيت الأبيض، واستقباله لبنيامين نتنياهو، فقد بدا واضحا زيف تلك الوعود الانتخابية ولاسيما بعد إعلانه لخطة تهجير الفلسطينيين وطلبه من مصر والأردن استقبال الشعب الفلسطيني، إضافة إلى جرأة نتنياهو في التصريح لوسائل إعلامية بأن طلب من المملكة العربية السعودية تأسيس دولة للفلسطينيين في أراضي المملكة، مما أثار استهجان واستياء غالبية دول العالم لهكذا تصريحات غير مسؤولة تنطلق من عقلية يهودية شديدة التطرف والتصهين، وبالتالي ترحيب كل دول العالم بالبيان الرسمي للقيادة السعودية، والذي جاء تعبيرا عن موقف المملكة العربية السعودية من خطة التهجير الأمريكية، وردا حازما في وجه التصريح الإسرائيلي العنصري المتجاهل لكل مرجعيات ومبادرات السلام الأممية وقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بمنع الاعتداءات على الشعب الفلسطيني الشقيق ووقف الانتهاكات الاسرائيلية المتكررة للقانون الدولي والقبول بمبادرة حل الدولتين لإحلال السلام وإنهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وإن كان البيان السعودي يعكس -منذ عهد المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه- الموقف الدائم والثابت للمملكة العربية السعودية تجاه القضية الفلسطينية وتجاه حق الشعب الفلسطيني في حماية مقدساته وتقرير مصيره على أرضه الفلسطينية لينعم كبقية شعوب العالم بالأمن والسلام والاستقرار.