تغريد إبراهيم الطاسان
بينما يطوي الطلاب صفحات فصل دراسي مليء بالتحديات والجهد، أطلت علينا الاختبارات المركزية كنقطة حاسمة في مسيرة التقييم التعليمي.
هذه الاختبارات، التي تهدف إلى تقديم صورة دقيقة عن مستوى التحصيل الدراسي، أصبحت حديث المجتمع بين مؤيدٍ يراها أداة ضرورية لتحسين التعليم، ومعارضٍ يعتقد أنها تشكل عبئًا إضافيًا لا يتماشى مع واقع المدارس اليوم، ويبرز صوت بينهما أنها فكرة جيدة لكنها لم يتم الاعلان عنها جيدا ولا الاستعداد لها كما يجب!
كلنا يعلم أن الاختبارات المركزية تلعب دورًا حيويًا في تحقيق العدالة في التقييم من خلال تطبيق معايير موحدة، مما يضمن قياسًا موضوعيًا لجودة التحصيل الدراسي، بعيدًا عن الفروقات الذاتية التي قد تؤثر على التقييم في المدارس التقليدية.
كما تتيح هذه الاختبارات قاعدة بيانات غنية يمكن استغلالها لتحليل أداء الطلاب، وتطوير المناهج الدراسية، ورفع كفاءة أساليب التدريس، بما يسهم في تحسين العملية التعليمية.
ورغم هذه الفوائد، فإن التطبيق العملي كشف عن فجوة بين ما يُدرَّس في الفصول الدراسية وما يُختبر به الطلاب!
فقد اعتاد كثير من الطلاب على طرق تدريس تعتمد التلقين، بينما تتطلب هذه الاختبارات مهارات تحليلية وفهمًا معمقًا لا يزال بعض الطلاب يفتقر إليه!
هذا التفاوت أثار تساؤلات حول مدى ملاءمة هذه الاختبارات لطبيعة التدريس الحالية.
الاختبارات المركزية التي طبقت هذا الفصل الدراسي في ثلاث مواد فقط ولثلاث مراحل دراسية هي الصف الثالث والسادس والثالث متوسط، لم تسلم من الانتقادات، خاصة من أولياء الأمور الذين شكوا من صعوبة الأسئلة وعدم توافقها مع أعمار الطلاب، خصوصًا في المراحل الابتدائية.
بعض تلك الأسئلة تطلبت مهارات تحليلية لا تزال في طور التطوير لدى الأطفال.
بالإضافة إلى ذلك، ظهرت تحديات فنية تتعلق بجودة الطباعة واختيار الألوان بسبب ضعف امكانات بعض المدارس، مما زاد من إرباك الطلاب وأثّر على تجربتهم أثناء الاختبار.
كذلك لوحظ التفاوت بين المدارس في تهيئة الطلاب والذي شكّل تحديًا آخر، حيث برزت الفروقات الواضحة في استعدادات الطلاب بناءً على جودة التعليم التي يحصلون عليها.
هذا الواقع يثير تساؤلات حول مدى تكافؤ الفرص بين الطلاب، مما يستدعي معالجة هذا التفاوت لضمان عدالة التقييم.
ونتساءل هنا..هل عودة الاختبارات المركزية الموحدة فرصة للتطوير أم استعادة للأزمات؟
وحسب استقراء بسيط، يرى البعض أن عودة الاختبارات المركزية تُعيد إحياء روح العدالة التعليمية، تمامًا كما كانت الاختبارات الوزارية الموحدة في الماضي.
فقد كانت تلك الاختبارات معيارًا موثوقًا لتقييم مستوى التحصيل الدراسي على مستوى المملكة. ومع إلغائها، ظهرت اختلافات واسعة في معايير التقييم، حيث لجأت بعض المدارس إلى تسهيل الاختبارات لرفع معدلات النجاح، ما أفقد العملية التعليمية مصداقيتها..!
إلا أن تطبيق الاختبارات المركزية لا يخلو من التحديات، فهي بحاجة إلى تصميم أكثر مرونة يأخذ في الاعتبار الفروقات العمرية والاستعدادات التعليمية المختلفة للطلاب، لتجنب تحولها إلى مصدر ضغط نفسي بدلاً من أداة تطويرية.
وفي المقابل، لضمان نجاح هذه التجربة، يجب تبني خطوات تدريجية تهيئ الطلاب لاختبارات تتطلب التفكير التحليلي والناقد. هذا يشمل تدريب المعلمين على إدماج هذه المهارات في طرق التدريس اليومية، وتطوير تصميم الاختبارات لتكون أكثر وضوحًا وملاءمة لمراحل التعليم المختلفة.
كما أن تحسين الجوانب الفنية، مثل جودة الطباعة وتنسيق الأسئلة، يُعد ضرورة لضمان تجربة مريحة للطلاب أثناء أداء الاختبارات.
وبالنسبة للمدارس، فإن تعزيز الجهود لتقليص الفجوة في جودة التعليم بين المؤسسات التعليمية المختلفة سيكون عاملاً حاسمًا في تحقيق العدالة بين الطلاب.
بينما تظل الاختبارات المركزية أداة لا غنى عنها لتقييم جودة التعليم، فإن نجاحها مرهون بمدى تطويرها لتصبح أكثر شمولية وعدالة.
الهدف ليس فقط قياس مستوى الطلاب، بل تمكين العملية التعليمية من تحقيق تقدم حقيقي ينعكس على أداء المعلمين، وفاعلية المناهج، وتجربة الطلاب في الصفوف الدراسية.
في النهاية، تظل العدالة التعليمية وتكافؤ الفرص جوهر أي عملية تقويمية ناجحة.
ومع التزام جميع الأطراف - من طلاب ومعلمين وأولياء أمور- بروح التعاون، يمكن أن تتحول هذه الاختبارات من تحدٍ إلى فرصة لتطوير التعليم وجعله أكثر استدامة وفاعلية.