علي حسن حسون
قبل توحيد المملكة بعقود، كانت شبه الجزيرة العربية تعيش أوضاعًا مضطربة تسودها الفوضى وانعدام الأمن، حيث كانت مناطقها تعاني من التجزئة والتناحر بين القبائل، إضافةً إلى الظلم والاستبداد الذي مارسته الدولة العثمانية بحق السكان، فقد عمدت إلى فرض الضرائب الباهظة ونهب الموارد، دون أدنى مراعاة لحياة الأهالي. كما انتشرت الفتن والاضطرابات التي جعلت الحياة محفوفة بالمخاطر، فيما كان الحجيج يعانون الأمرّين بسبب انعدام الأمن وكثرة قطاع الطرق الذين نشروا الذعر والرعب في الطرق المؤدية إلى مكة المكرمة.
وفي ظل هذه الظروف العصيبة، انطلقت مراحل تأسيس الدولة السعودية لتكون نقطة تحول في تاريخ الجزيرة العربية، حيث بدأت مسيرة التوحيد على يد القادة العظماء الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية إنهاء حقبة الفوضى والتشرذم، وإقامة دولة قائمة على العدل والأمان. ومع توالي المراحل الثلاث للدولة السعودية، تحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي، وأُعيد بناء الأمن، وعادت الطمأنينة إلى حياة الناس، فتم توحيد البلاد تحت راية واحدة، واستُعيدت الحقوق التي سُلبت لعقود.
واليوم، ونحن نحتفي بذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى، نستذكر بكل فخر واعتزاز الجهود العظيمة التي بذلها الأجداد في سبيل بناء هذا الوطن العظيم، ونتأمل في معاني البطولة والتضحية التي سطروها بدمائهم الطاهرة وأرواحهم النقية، لترتفع راية الحق والعدل خفاقة في سماء هذا الوطن العزيز. فهذه الذكرى ليست مجرد استرجاع للماضي العريق، بل هي تأكيد راسخ على عمقنا التاريخي والحضاري، ودليل ساطع على وحدة أبناء هذا الوطن بمختلف أطيافهم، تحت ظل راية واحدة وشعار واحد، تتجسد فيه معاني العزة والمجد والإباء. إنها مناسبة لتجديد العهد والولاء، وترسيخ الهوية الوطنية، وتعزيز روح الانتماء، والاستمرار في مسيرة النهضة والازدهار التي نشهدها اليوم، بعزم لا يلين وإرادة لا تعرف المستحيل.
إن يوم التأسيس ليس مجرد ذكرى عابرة تُسجَّل في صفحات التاريخ، بل هو رمز خالد للصمود والتقدم، ودليل على أن الحاضر المزدهر الذي ننعم به اليوم هو ثمرة غرس البذور الأولى قبل أكثر من ثلاثة قرون، فكما روى الأجداد هذه الأرض بتضحياتهم، فإننا مسؤولون عن صونها والارتقاء بها، والعمل بكل جد وإخلاص من أجل رفعتها. فمعرفة ماضينا المجيد تبقى منارة تُضيء لنا دروب المستقبل، وتلهمنا لمواصلة البناء والعطاء، حتى يظل وطننا شامخًا، آمنًا، مزدهرًا، يسابق الأمم في شتى المجالات، ويثبت أن جذوره ضاربة في عمق التاريخ، وأمجاده باقية لا يطويها النسيان.