ناصر بن محمد الحميدي
منذ ثلاثة قرون، حين امتزجت الرمال بالنبوءة، وحين انحنى التاريخ ليخط بمداد العزم اسم الدرعية، كان التأسيس قدرًا مكتوبًا بحروف المجد. هناك في صحراء لم تكن تعرف الخضوع، وُلدت الدولة السعودية الأولى كفكرة لا تُهزم، وكرؤية أوسع من حدود الجغرافيا. واليوم في يوم التأسيس نحتفي بماضٍ مجيد، ونُجدّد العهد بأن المجد الذي شيده الأجداد لا يزال ينبض في شرايين الوطن.
ثلاثمئة عام ولم ينحنِ هذا الكيان إلا لله، ولم يخضع إلا لليقين بأن الأرض لا تمنح سيادتها إلا لمن يستحقها.
إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي يحمل هيبة الملوك، وفي صوته صدى التاريخ، وإلى ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، الذي يقود المملكة وكأن الحلم قدر محتوم، لكم تهنئةٌ تليق بعظمة المنجز وبسالة الطموح. بين يديكما وطنٌ لم يعرف الانكسار، وشعبٌ إذا قال فعل، وإذا عاهد أوفى. أنتم امتدادٌ لرجال لم يساوموا على الأرض، ولم يُهادنوا في الكبرياء. في هذا اليوم المجيد نكتب للتاريخ أن القيادة التي أمسكت بزمام التأسيس قبل ثلاثة قرون، قد وجدت فيكما خير وارثين لحمل الأمانة، وخير من يرفع الراية نحو المستقبل.
في هذا اليوم يُجدد الشعب السعودي ميثاق الولاء والانتماء، وتُرفع راية التأسيس في القلوب التي تدرك أن هذه الأرض كُتبت لها العزة أبدًا. المملكة اليوم حالة من الثبات الذي لا تهزه العواصف، ومن الطموح الذي لا تحده السماء. وما بين تأسيس كان حلمًا، ونهضة باتت واقعًا، تتجلّى الحقيقة الأهم: أن المجد لا يشيخ، وأن هذه البلاد لم تُخلق إلا لتبقى عظيمة.
إن الاحتفال بيوم التأسيس السعودي تأكيدٌ على استمرارية الهوية التاريخية والسياسية للدولة السعودية، وتجديدٌ للعهد بأن جذور هذه البلاد ضاربة في عمق الزمن، لا تهزّها التحديات ولا تنال منها المتغيرات. فالأمم العظيمة تتشكل عبر محطات مفصلية من الصمود والوحدة والإرادة، ويوم التأسيس هو الشاهد على اللحظة التي اجتمعت فيها الرؤية بالحكمة، فتحولت الدرعية من كيان محلي إلى نواة دولة قوية امتدت عبر القرون. الاحتفاء بهذا اليوم يُرسّخ في الأجيال الحالية والمستقبلية وعيًا عميقًا بأهمية الإرث السياسي والثقافي، ويُذكّر بأن الشرعية التاريخية التي قامت عليها المملكة امتدادٌ لمسيرة طويلة من البناء والتحدي والاستقرار. فكما أن التاريخ ليس مجرد سردٍ للأحداث، فإن الاحتفال بيوم التأسيس هو إعادة إحياء للذاكرة الوطنية، وتعزيزٌ للحس الوطني، وتأصيلٌ لمعاني الولاء والانتماء لهذا الوطن العظيم.