د. سعد بن سعيد القرني
الانتماء الوطني يعد من مرتكزات الأمم لإظهار شخصيتها القومية وهويتها التي تفتخز بها وتعبر عنها بشكل مباشر وغير مباشر لما تمثله من مزيج مركب يجمع تاريخ وثقافة وقيم وأعراف المجتمع وعاداته بكل أبعاد الحياة وفاعلياتها عبر الأزمنة ومراحل تطور الأمم والأوطان. فهناك انتماء وطني يبدأ تكونه منذ ميلاد الإنسان خلال مراحل التنشئة ويتجذر في وجدان وأعماق الشخصية الإنسانية أي هي عملية غرس ويعبر عنه بالانتماء الفطري الذي يشعر به الفرد تجاه وطنه ونفسه ثقافيا وتاريخيا بشكل متدرج وتراكمي مع مراحل التنشئة من قبل الوالدين والمحيط الأسري ويرتبط هذا الانتماء بالهوية الثقافية واللغة والعرق والدين، ويشكل الحب العميق للوطن والرغبة في الحفاظ على ثقافته وتقاليده.
أما الانتماء الوطني المكتسب، فهو مكون يتشكل بفعل عوامل خارجية مثل التعليم، الخبرات الحياتية، والاندماج المجتمعي وفاعليته في المجتمع الأكبر ومؤسساته ويتطور هذا النوع من الانتماء من خلال المشاركة والتعبير عن الثقافة الوطنية، الأنشطة الاجتماعية والسياسية والتراثية لتعزز من قيم الانتماء الوطني. إذا فالعمليتان تتمثلان بالغرس ثم التعزيز وكلا النوعين يتكاملان كمتلازمة تؤدي دورًا أساسيًا وحيويًا في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز الوحدة والاستقرار على مستوى الفرد داخل المجتمع.
ويتعاظم هذا الدور على مستوى الأفراد حيث تشكل ثقافة الانتماء الوطني الجمعي سياجا حاميا للهوية الوطنية من التحديات المعاصرة وعلى رأسها العولمة التي تخترق وتهدد كل عناصر السيادة الوطنية والتي من أهمها الانتماء الوطني والاعتزاز بالهوبة الوطنية ورموزها ومناسباتها. وتشكل فئة الشباب المستهدف الأساس لهذ الاختراق ولم تغفل المملكة العربية السعودية أهمية هذا الجانب الذي يشكل تهديدا وجوديا للدول.
إن حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير والقائد التحويلي الملهم محمد بن سلمان الذي قاد فريق عمل يشكل نخبة من المفكرين والمثقفين وأصحاب الاختصاص حيث تم بناء رؤية 2030 لإحداث التطوير الشامل للمملكة والتي من أهمها الانتماء الوطني والاعتزاز بالهوبة الوطنية ورموزها ومناسباتها وتاريخيها وثقافتها الوطنية وتراثها الممتد.
وفي هذا السياق قامت وزارة الثقافة في عام 21-22 بإجراء دراسة تحليلية لتفضيلات جيل ما بعد الألفية للفعاليات الثقافية بعنوان «مزامنة جيل ما بعد الألفية» حيث تشكل تلك الفعاليات رافدا مهما لثقافة الانتماء الوطني وغرس وتنمية الهوية السعودية والاعتزاز بها ورموزها ومناسباتها ومكتسباتها.
ولأهمية تلك الدراسة اقتبس بعض من نتائجها وتوصياتها حيث يمكن القول بأن رؤية 2030 وبرامجها دشنت تحول شامل في تمكين الفعاليات الثقافية من أن تكون رافدا داعما للانتماء الوطني والاعتزاز بالهوية السعودية؛ فالمشاركة الثقافية لجيل ما بعد الألفية للفئة العمرية 15-25 سنة في المملكة العربية السعودية مقارنة بخمس دول مرجعية هي كندا، بريطانيا، أستراليا، السويد، وسنغافورة حيث تم اختيار دول المقارنة بناء على معايير متوازنة تراعي الجوانب الاقتصادية والثقافـية والديمغرافية حيث جاءت النتائج وفق دراسة وزارة الثقافة (ص90) وفقا للجدول أدناه.
وبالنظر للبيانات وبالرغم من الفجوة بين المملكة ودول المقارنة يتضح ما حققته المملكة خلال مدة زمنية لا تتجاوز الثلاث سنوات تطور تاريخي وغير مسبوق في تدشين الفعاليات الثقافية، وتمكين جيل ما بعد الألفية من المشاركة تدعيما لثقافة الانتماء الوطني وتعزيز الهوية السعودية لمواجهة زخم العولمة وتعزيز القوة الناعمة لصناعة مصدات تحول دون مسخ الشخصية القومية العربية السعودية في دائرة كبرى من الشراكة والمشاركة مع الثقافات الأخرى كجزء اساسي من سياسة التنوع الاستراتيجي والتحول نحو الانفتاح والتبادل الثقافي بين المملكة ودول العالم تدعيما لمكانتها الإقليمية والدولية.
من ناحية أخرى تلعب تقنيات التواصل الاجتماعي(السوشيل ميديا) في المملكة دورا مركزيا في تدعيم وتعزيز هذه الجهود لتكون العامود الفقري كأداة من أدوات الحكومة الإلكترونبة ونورد في هذا السياق جدولا يوضح نسب وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر استخدما لجيل ما بعد الألفية.
إن وعي الشعب السعودي وخاصة فئة الشباب تاريخيا وتقافيا وتقنيا يعد ركيزة أساسية لتنمية وتعزيز ثقافة الانتماء الوطني المكتسب للحفاظ على الانتماء الوطني الفطري وحمايته وتنميته.
ويعتبر يوم التأسيس رمزا سياسيا وتاريخيا وثقافيا مميزا حيث يسعى شباب ما بعد الألفية للتعرف على تفاصيل تأسيس الدولة وأبرز الشخصيات التاريخية مثل الإمام محمد بن سعود، وما قدموه من إنجازات على الصعد المختلفة.
كما يعزز يوم التأسيس الشعور بالفخر والانتماء الوطني والامتنان للأجداد المؤسسين، حيث يشارك الشباب في الفعاليات الثقافية التي تبرز التراث والثقافة السعودية لتلك المناسبات من خلال تنظيم الفعاليات الاحتفالية مثل المعارض والندوات والوثائقيات والصحافة، للتعبير عن أفكارهم من خلالها إضافة إلى الفنون مثل المسرح والسينما والمنتديات والنوادي الأدبية والشعر والموسيقى، لإحياء ذكرى التأسيس بأساليب ابداعية مبتكرة.
أما فيما يختص بتوصيات الدراسة المذكورة أعلاه (ص 103- 105) فيمكن تناولها لأهميتها في تشخيص الفجوة بين المملكة ودول المقارنة وما آلت إليه من مبادرات حكومية مميزة لتنمية المشاركة الثقافية لجيل ما بعد الألفية كالآتي:
التوصيات والمبادرات:
1 - إجراء دراسة تحليلية لسد الفجوة بين المملكة والدول الرائدة وفهم الآسباب وراء ذلك وحصر المعوقات والمحفزات لتنمية المشاركة الثقافية بهدف دعم تقافة الانتماء الوطني.
2 - أهمية دعم البنية الثقافية في المملكة من حيث سهولة الوصول إلى المرافق الثقافية.
3 - تحفيز وتشجيع المشاركة الثقافية من خلال مبادرات أسوة بالدول الرائدة مثل إيجاد برامج تحفيزية لتعزيز ثقافة الانتماء الوطني، دمج المحتوى الثقافي والفني في المقرر الدراسي، توفير برامج وموارد مناسبة بعد الدرسة للأطفال والطلاب، تفعيل دور المؤسسات والمنظمات والجهات المحلية ذات العلاقة.
4 - وضع منصات وطنية رقمية وغير رقمية لتشجيع العمل الثقافي وتنمية المشاركة الثقافية.
ويمكن لتلك المبادرات والبرامج أن تصنف إلى أربع فئات هي:
1 - الوصول إلى الثقافة: ويشمل الوصول المادي والاجتماعي والفكري لجيل ما بعد الألفية إلى المشاركة الثقافية.
2 - التعليم الثقافي: ويهتم بنهج التدريس والتعليم بناء على القيم والمعتقدات والممارسات التي تشكل أساس الثقافة.
3 - الإدماج الثقافي: ويعنى بدعم احتياجات الجيل من ثقافات وأعمار وخلفيات متنوعة وتقدير مساهمتهم الثقافية.
4 - المعاينة الثقافية: تجميع وتحديث البيانات والإحصائيات الخاصة بالمشاركات الثقافية لجيل ما بعد الألفية.
إن هذه التطلعات والجهود المبذولة لمواكبة الدول الرائدة بثوابت ومبادئ وطنية راسخة وواثقة بقيادتها وشعبها ستضع المملكة العربية السعودية في مصاف الدول ذات الشأن والفعل الدولي في صناعة السلام والتطوير والتنمية. فهنيئا لمولاي خادم الحرمين الشرفين أيده الله وسمو ولي عهده الأمين سدد الله خطاه بيوم التأسيس وكل المناسبات الوطنية العزيزة على كل مواطن.