د. محمد عبدالله الخازم
يوجد في المملكة نحو 40 كلية طب، حكومية وأهلية، وهذا عدد كبير لسكان نحو 20 مليون نسمة (نستبعد الأجانب لأنهم لا يلتحقون بكليات الطب السعودية). لم أذكر الرقم بدقة، فقد يعلن عن كلية جديدة خلال كتابة المقال. أكتب اليوم عن كليات الطب، مذكراً بأنني كتبت عام 2004م مقترحاً بعدم السماح بكليات طب المستشفيات، وحصر تأسيسها في الجامعات. كما نشرنا عام 2014م، بمشاركة الدكتورة ألاء الثبيتي، دراسة استشرافية لمستقبل كليات الطب فأوصينا بالتأني في افتتاح المزيد منها.
مصدر قلقنا، هو جودة المخرجات وصعوبة توفير برامج تدريبية عالية الجودة لخريجي برامج البكالوريوس من كليات الطب. نلحظ التدني في عدم قدرة البعض على اجتياز الاختبارات المهنية التي تعقدها هيئة التخصصات الصحية، والقبول في برامجها أو البرامج الخارجية. وأمام الضغوط، الهيئة تجد صعوبة في تأسيس عدد كاف من برامج التدريب (البورد والتخصص) ذات الجودة العالية. لا نعمم ونؤكد أنه يوجد لدينا كفاءات سعودية متميزة، لكن الأمر يسير في التدني ويقلقنا المستقبل؟ كيف نستطيع رفع والحفاظ على جودة أطبائنا؟
تعليم الطب لدينا تقليدي، نأخذ خريج الثانوي وندفع به لكلية الطب لمجرد أنه يجيد الحفظ وحصل على درجات عالية في الثانوية، مع تحضير متواضع (لدى كثير من الكليات) في مجال العلوم الأساسية والنفس- اجتماعية. هذا لا يتوافق مع كون أغلب تطورات واكتشافات الطب تنبع من قاعدة قوية في العلوم الأساسية البيولوجية والكيميائية والفيزيائية، وأغلب الملاحظات على الأطباء تكمن في السلوكيات المهنية والقيمية الثقافية والاجتماعية.
مرت دول بمثل هذه الوضع فكانت جرأة التصحيح. أبرز مثال لذلك هو دول شمال أمريكا، الولايات المتحدة وكندا. لقد لوحظ وجود كثير من الكليات منخفضة الجودة كما لوحظ غياب معايير القبول الصارمة ووجود صعوبات في توفير موارد التدريب مثل المستشفيات. فصدرت دراسة عرفت بدراسة فلكسنر ابراهام (Flexner Abraham) عام 1910م قيَّمت وضع التعليم الطبي وحددت مواطن القوة والضعف فيه وكيفية تحسين معاييره. وعلى ضوئها قلصت الكليات الطبية، عبر عمليات إقفال واندماج واسعة. انخفض العدد من 155 كلية إلى 31 كلية فقط، حينها.
كما وحدت معايير القبول في كليات الطب الكندية والأمريكية لتصبح أكثر صرامة تشترط اختبارات مقننة (MCAT)، وتوافر القدرات البحثية والعلمية عبر الحصول على درجة علمية سابقة وفق اشتراطات تجاوز عدد معين من المواد العلمية والنفس اجتماعية بمعدلات متفوقة. وفي السنوات الأخيرة، أضافت بعض الكليات اختبارات (Casper) المعنية بتقييم المهارات الاجتماعية والقيم الذاتية للمتقدم، كالتعاطف والمهنية واتخاذ القرار الأخلاقي، وقبول الآخر، وغيرها. هكذا يتبوأ الطب في أمريكا وكندا الصدارة وتسير كثير من الدول نحو تقليد نماذجه.
ربما لا يتم قبول فكرة دمج/ إقفال/ عدم تأسيس كليات طب، لعلاقة الأمر بالجوانب الاستثمارية والبرستيج الاجتماعي والتوجهات الإدارية. لكنني أطالب بضرورة إعادة هيكل تعليم الطب في المملكة، ليكون درجة ثانية بعد الحصول على درجة علمية سابقة، وبفرض معايير قبول مركزية صارمة وموحدة تطبق على الجميع سواء كان حكومياً أم أهلياً، على غرار أنظمة شمال أمريكا. نكتب عن الطب وقد ينطبق الأمر على تخصصات صحية أخرى.
الأكفأ قيماً وعلماً والأنضج عمراً على اتخاذ قرارات المستقبل يجب أن يدخل الطب، سواء كان ذلك في القطاع الحكومي أو الأهلي. يهمنا سعودة المهنة، لكننا نفضل أن يكون ذلك على مدى عقود بجودة متميزة على أن يكون خلال أعوام قليلة بجودة متدنية.