د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
العالم اقتصاديا مرتبك، يحاول الاقتصاد الاختباء خلف السياسة، والحروب الاقتصادية تجس نبض ردود أفعال المحايدين، ما جعل كرستالينا جورجيفا العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي تستعين بالسعودية بعدما وجدت أن نمو التجارة العالمية يتراجع عن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي لم تعد التجارة الدولية المكانة التي تتمتع بها تاريخيا، ولا تود ترك الأمر للدول الكبيرة، جعلها تلجأ إلى القطب الحيوي والفاعل في العالم السعودية التي تجمع القطبين العالميين على أراضيها لنزع فتيل الصراع بينهما من أجل تحقيق السلام العالمي.
كلف الرئيس ترمب بوضع خطط لفرض تعريفات جمركية مضادة على كل دولة تفرض رسوما على الواردات الأمريكية، مما يزيد احتمالات اندلاع حرب تجارية عالمية مع أصدقاء وأعداء أمريكا على السواء، ومواجهة الحواجز غير الجمركية مثل قواعد سلامة المركبات التي تستبعد السيارات الأمريكية وضرائب القيمة المضافة التي تزيد من تكلفتها، وتشمل الأهداف الصين واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي تسببت في رجة بالأسواق إلى تفاقم المخاوف من اتساع نطاق الحرب التجارية العالمية، وهددت بتسريع التضخم في الولايات المتحدة، لا يزال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في الأسابيع الأولى من عهده الثاني اتجه إلى استخدام مبدأ الصدمة والرعب لتغيير أسس العلاقات الدولية.
كما أدت أزمة البحر الأحمر نقطة اشتعال حاسمة في صراع منطقة الشرق الأوسط، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في حركة التجارة العالمية والنقل البحري، ووفقا لتقرير البنك الدولي أدى تحويل التجارة إلى إعادة تشكيل أنشطة الموانئ على طول الممر الآسيوي الأوروبي، مما أثر إيجابا على موانئ شرق البحر الأبيض المتوسط، تسببت هذه الاضطرابات في صدمات عبر سلاسل التوريد العالمية، مما أدى إلى تأخير في تسليم الموردين وزيادة تكاليف الشحن، كان تأثير هذه الزيادات على التضخم، حيث ارتفعت تكاليف الشحن العالمية بنسبة 141 في المائة في نوفمبر 2024 مقارنة بما قبل الأزمة، وزادت الأسعار على الطرق التي تمر عبر البحر الأحمر بنحو 230 في المائة من شنغهاي إلى روتردام وجنوة.
اتجه صندوق النقد إلى السعودية لتولي قيادة رعاية التعاون بين الاقتصادات الناشئة، فرضت حالة عدم اليقين التي يواجهها الاقتصاد العالمي على مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة، الذي جمع مجموعة وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية وصناع السياسات في الأسواق الناشئة من أجل إيجاد طرق لمعالجة التحديات المشتركة بين الدول بهدف بناء اقتصاد عالمي أقوى وأكثر استدامة وشمولية لجميع الأمم، والتوجه نحو عمل الإصلاحات ومناقشة السياسات التي من شأنها أن تقي اقتصادات الأسواق الناشئة من تداعيات ما يجري حاليا أو من أي صدمات طارئة، وأن تكون لدى الأسواق الناشئة القدرة على التكيف والتأقلم والمرونة، وهذه ستكون مكونات النجاح في المستقبل.
منصة العلا من السعودية تهدف إلى رفع صوت الاقتصادات الناشئة دوليا، ولا يعني تحدي الاقتصادات المتقدمة، بل تسعى الدول الناشئة إلى أن يكون العالم أفضل بكثير إذا عملت الاقتصادات المتقدمة بتعاون مع الاقتصادات الناشئة، ومناقشة التحديات المشتركة بين الدول بهدف بناء اقتصاد عالمي أقوى وأكثر استدامة وشمولية لجميع الأمم، ومعالجة التحديات ليس أمرا سهلا لذلك لا بد من التعاون متعدد الأطراف باعتباره السبيل الأكثر فاعلية لتحقيق ذلك.
يعد مؤتمر العلا الاقتصادي الأول من نوعه لاقتصادات الأسواق الناشئة، لبناء مزيد من التعاون ومناقشة التحديات المحددة التي تواجه الأسواق الناشئة، ليس فقط مواجهة المخاطر بل أيضا اقتناص الفرص المتاحة أمامها، ومن المواضيع المشتركة التي برزت أهميتها وحدة الهدف والحاجة إلى مواصلة العمل معا للحفاظ على قدرة اقتصادات الأسواق الناشئة على الصمود في وجه الصدمات والحفاظ على النمو ويجب أن يظل أكثر مرونة في عالم يتسم بالغموض مواجهته من خلال سياسات اقتصادية كلية ومالية سليمة أولوية.
سيكون مؤتمر العلا لاقتصادات الأسواق الناشئة على غرار جاكسون هول الأسواق الناشئة فكما مؤتمر جاكسون هول يعقد سنويا في مدينة جاكسون هول بولاية وايومنغ الأمريكية سيكون كذلك حال مؤتمر العلا المختص بملفات اقتصادات الدول الناشئة، سيعقد سنويا في نفس المكان وفي الوقت نفسه.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة ام القرى سابقا