د. فهد بن أحمد النغيمش
كثيرة هي القرارات في حياتنا اليومية والتي نتخذها بين الفينة والأخرى والتي تتراوح أهميتها من تافهة إلى مصيرية، من بسيطة إلى صعبة، تختلف مسبباتها وتتفاوت قوى التأثير فيها، لكن بعيدا عن قياس آثار تلكم القرارات أو الخوض في صوابها من خطأها إلا أن الجدير بالذكر والتأمل هو دور العاطفة في التحكم في قراراتنا، حتى وإن كانت في بعض المرات مدروسة أو مسبوقة بتروي وتمعن وتفكير، وليست طائشة مستعجلة كما يحصل عند البعض كردة فعل، كما هو مشاهد في حالات الطلاق والتي تعتبر أخطر القرارات العاطفية التي تنتجُ عنها عواقب لها تداعيات سلبية على المجتمع عامَّة!
العاطفة التي تحملها النفس البشرية، بل هي من لوازمها هي للأسف من يتحكم بقراراتنا اليومية، بل لا أكون مبالغا حين أقول حتى في قراراتنا المصيرية والتي قد يكون فيها ظلم وجور في حق من وقع عليه القرار، ولعلي أبسط بعضا من الأمثلة الحية التي أعتقد ان الجميع قد شعر بها وهو ما يخص البيئات العملية؛ فهناك تتحكم العاطفة في كثير من القرارات التي تتَّخذ خاصَّةً ضدَّ الأفراد، والتي يدخلُ فيها عامل الشَّخصنة، حيث تدفع لحظات التهوُّر والطيش صاحب السلطة إلى إظهار أسوأ ما في نفسه ليتخذ قرارات طائشةٍ غير مدروسة نتيجةً لانفعاله ضدَّ فعلٍ من أحد مرؤوسيه؛ ليوقع عليه قرارا قد يكون تعسفيا لمجرد أنه لا يعجبه أو لا يروق له أو (لم يدخل مزاجه) حتى ولو كان متفوقا في عمله متميزاً في نتاجه ومهارته! حتى ما يخص اختياراتنا التي ينبغي أن تخضع لمعايير علمية ودقيقة، سرعان ما تؤثر فيها عاطفة القرابة أو عاطفة الصداقة وعاطفة المعرفة والواسطة أو حتى عاطفة القبيلة والتعصب، ومن ثم يجتمع لدينا اختيارات غير موفقة في مجتمعاتنا ونتائج قد تكون عكسية على محيط حياتنا وشؤون مسيرتنا الحياتية.
الصراع الذي يوجد داخل الإنسان هو في حقيقته صراع بين العاطفة والعقل، وهما في الغالب مسؤولان من يحدد سلوك الإنسان دائماً، لذا ينبغي ان يسيرا في خط متوازٍ بحيث لا يتقاطعان، وفي المقابل ينبغي حقيقة أن يكون العقل هو من يقود الشخص ويتحكم في كثير من تصرفاته بعيداً عن عاطفته التي قد يصبح يوماً من خلالها أسيرا لرغباته، فتطغى الأنانية في سلوكه، وينعدم لديه الإدراك والوعي لسلبية الاندفاع في المشاعر لمن لا يستحقها.
لا بد أن نعترف أن العاطفة تغلبنا كثيرًا في حياتنا ويتضح هذا الأمر جلياً في تعاملاتنا وهذا بقدر ما هو شاعري وإنساني إلاّ أنه بعيد عن التوازن، نعم المرونة مطلوبة، والموازنة بين العقل والعاطفة ضرورية جداً، لكن الوصول إليها يحتاج إلى صبر ومران ومجالدة للنفس وأهوائها، يحتاج الأمر إلى فطنة أب يريد لابنه الراحة والاسترخاء، لكنه يوازن بين العاطفة والعقل، فيوقظه ليصلي الفجر مع المسلمين ويبدأ يومه الدراسي مبكراً، وإلى نظرة أم يؤلمها إحساس صغيرتها بالجوع، ومع هذا تدربها على الصيام، والأمثلة كثيرة في هذا المجال كثيرة وعديدة، فالتربية التي تغيّب العاطفة وتنتصر للعقل يخرج منها جيل جامد مبرمج، أمّا تلك التي تلغي العقل، فلن نحصل معها إلاّ على جيل هش غير قادر على الإنجاز بمفرده، فالموازنة بين العقل والعاطفة هي تربية، تدريب، حوار.
ولا يزال سؤالنا قائما عن صراع العاطفة والعقل في اتخاذ القرار: هل العاطفة تقود العقل أم العقل يقود العاطفة؟، إذا كانت العاطفة تقود العقل، فذلك يجعل الإنسان أكثر عرضة للابتزاز العاطفي؛ لأنه يعد فريسة سهلة لدى الطرف الآخر الذي يستغله باسم الحب، فتنعدم شخصية الضحية بسبب تقديم التضحيات في سبيل الحصول على رضا الطرف الآخر، أما العقل الذي يقود العاطفة، فيكون حجم الوعي والإدراك لدى الفرد واضحاً، وتقدير الذات والذكاء الاجتماعي لديه كبيراً، لذا تنعدم المصلحة والإذلال في علاقاته؛ لأنه مدرك تضحيات ومحبة الطرف الآخر، لافتاً إلى أن العقل والقلب وجهان لعملة واحدة، لذا لا يجب عليه أن يسمح لعواطفه، بتجاوز عقله وأن تصبح خارج السيطرة ،إذ كشفت دراسة علمية حديثة أن الدماغ البشري يخوض نزاعاً دائماً في مركزه بين العاطفة والعقل، وأن منطقتين في الدماغ تتنافسان للتحكم بالسلوك الشخصي، وفي الأخير، يبقى المثل الفرنسي الشهير (العقل ينذرنا بما ينبغي تجنبه، والقلب يقول لنا ما ينبغي فعله).