خالد بن عبدالرحمن الذييب
في فترة الثلاثينات من القرن الماضي هاجر مجموعة من المعماريين الألمان أمثال والتر جروبياس، إيريك مندلسون، والمجري مارسيل بريوار من ألمانيا هرباً من دكتاتورية الحكم النازي في تلك الفترة فساهموا مساهمة فعَّاله في تطوير المساكن الخرسانية المسلحة في بريطانيا، فاستقبلتهم واحتوتهم وساهموا في تنميتها، وهذا يؤكد فكرة البيئة المحيطة ودورها في تطوير المجتمع. أحد هؤلاء المبدعين «آينشتين» الذي ترك وطنه ألمانيا واستقر في الولايات المتحدة لا لشيء ولكن لأنها وفرت له البيئة الملائمة للإبداع والإنجاز. وإذا عدنا إلى تاريخنا القديم وجدنا بيت الحكمة العباسي، والذي تعدد فيه أعراق وخلفيات المبدعين يجمعهم فقط الفكر والعلم أولاً وهدفهم إثراء حضارة الإنسان فقط! كثير من المجتمعات لديها مبدعون لكنها تفتقد لبيئة النجاح فأهم ما يميز الدول والحضارات والعقليات المتقدمة هي القدرة على «احتواء الآخر» وجعله عضواً فعَّالاً في المجتمع مهما كانت جنسيته والاستفادة منه، وتوفير بيئة مناسبة للمبدع أياً كانت جنسيته. وهنا نقطة لا بد من الإشارة لها وهي أن الجانب الإيجابي في المبدع أنه يبحث عن الإنتاج في أي مكان، فمتى ما وفرت له المكان المناسب سيعمل، ولكن الجانب السلبي عندهم أنه لا وطن لهم»، فوطنهم المكان الذي يوفر لهم البيئة الملائمة للإبداع والإنجاز.
من مزايا العقلية المتقدمة، إيقاد الشموع. فأثناء الحرب العالمية الثانية ومنذ أن بدأت ألمانيا بإسقاط القنابل على مدن إنجلترا بدأ البريطانيون بالتفكير في موضوع تخطيط المدن وإعادة البناء، ومنها تم تشكيل اللجان المعنية وتأسيس وزارة التخطيط عام 1943م لتصور أسلوب التعمير في المستقبل، وهذا أمر عجيب، إذ كيف كانوا في حالة حرب ومع ذلك يفكرون في المستقبل، كانوا يفكرون بيوم النصر، لا بالخوف من الهزيمة، كانوا يطبقون عملياً «تفاؤلوا بالخير تجدوه» كان هناك تخطيط للمستقبل والعمل من أجله حتى في أحلك الظروف، هذا هو ما يُقال عنه «بدلاً من أن تلعن الظلام أوقد شمع»، العقلية المتقدمة لا تلعن الظلام، ولكن توقد الشموع.
وهنا أذكر قصة من تراثنا الإسلامي، فالرسول صلى الله عليه وسلم وأثناء حصار الخندق بكل ما فيه من تعب وبلاء، إلا أنه أثناء هذا الابتلاء العظيم للصحابة والذي ربما يمر عليهم لأول مرة إلا أنه أوقد شمعة بالتبشير بفتح بلاد الشام، وفارس، واليمن، صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم حالة مختلفة كون الوحي يأتيه من الله سبحانه وتعالى، ولكن الكلام هنا على «الفكرة»، فالقصة كأنها تكرِّس لدينا مفهوم الفكرة، فكرة إيقاد الشموع بدلاً من لعن الظلام.
أخيرًا ...
احتواء الآخر نقطة في بحر التقدم والتنمية...
ما بعد أخيرًا ...
هناك من يوقد الشمعة ... وهناك من يسأل ... ما هي الشمعة في الأساس؟