د. سيف محمد الرشيدي
يعد شهر رمضان المبارك من أسمى الفرص التي منحها الله تعالى للمسلمين لتجديد إيمانهم وتنمية روحهم. إنه ليس مجرد شهر للصيام عن الطعام والشراب، بل هو شهر للتحلي بالقيم الروحية والاجتماعية التي تعزز من شخصية المسلم وتدفعه ليكون أكثر تقوى وإحسانًا في تعاملاته مع الآخرين.
في هذا الشهر الفضيل، يعيش المسلمون لحظات من التغيير الداخلي العميق، حيث تفتح أبواب الرحمة والمغفرة، وتزداد الفرص لتحسين العلاقة مع الله تعالى. فالصيام ليس فقط امتناعًا عن الطعام والشراب، بل هو أيضًا امتناع عن الرذائل والأخطاء، والتوبة من الذنوب، ومراجعة النفس. إنها فرصة لتربية الذات على الصبر والتحمل، على الرغم من تحديات الجوع والعطش، مما يعزز الإحساس بتقدير نعمة الطعام والشراب.
رمضان يعد من أنسب الأوقات لتربية الروح على الصلاح والتقوى. فالمسلم في هذا الشهر يشعر بقربه من الله، ويستغل ساعات الصيام والقيام في قراءة القرآن والتوجه بالدعاء. إنَّ الساعات التي يقضيها المسلم في الصلاة والتسبيح، وتلاوة القرآن الكريم، تشحن قلبه بالإيمان، وتجعله أكثر استعدادًا لمواجهة تحديات الحياة اليومية. ومن خلال هذا الانقطاع المؤقت عن متع الدنيا، يشعر المسلم بتطهير قلبه وزيادة الوعي الروحي.
ولا يقتصر رمضان على الروحانية فقط، بل يتعداها إلى التربية الاجتماعية، حيث يعزز في قلوب المسلمين قيمة العطاء والمشاركة. في هذا الشهر، يظهر تكافل المجتمع بشكل جلي، حيث يكثر المسلمون من التصدق على الفقراء والمحتاجين، ويحرصون على تقديم المساعدة لأسرهم وجيرانهم. يمكننا رؤية صور رائعة من التعاون والتراحم، فالمجتمع يصبح أكثر تماسكًا، ويعيش أفراده في أجواء من المحبة والتكافل.
ويعد رمضان مدرسة للتربية على ضبط النفس، حيث يتعلم المسلم كيف يتحكم في رغباته ويكبح جماح شهواته. فالصيام يفرض على المسلم الامتناع عن المأكولات والمشروبات، لكن الأهم من ذلك هو تعليمه كيف يضبط لسانه وأفعاله. إن الفوائد التي يحصل عليها المسلم من الصيام تتجاوز الجوانب الجسدية، لتشمل كذلك تقوية الإرادة الداخلية والقدرة على التزام القيم والأخلاق الحميدة، مما ينعكس على علاقاته مع الآخرين في حياته اليومية.