د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
تابع أستاذنا رمضان عبدالتواب السهيلي في ردّه قول النحويين إنّ من الأسماء المعربة متمكنًا أمكن وأخرى متمكنًا غير أمكن، قال «وليس دخول التنوين في الأسماء علامة للتمكن، كما ظنه قوم» ، وبين السهيلي أن «التنوين علامة للانفصال، وإشعار بأن الاسم غير مضاف إلى ما بعده ولا متصل به»(1)، ولذا قال «فحكم الأسماء الأعلام كحكم سائر المعارف في استغنائه عن التنوين، لأنه لا يخشى على المخاطب أن يتوهم العلَمَ مضافًا إلى ما بعده كما يتوهم النكرة إذا لم تنون، فإذا نُونَتْ عَلم أنها غير مضافة، والعلم ليس كذلك؛ فإن رأيت علمًا منونًا فلعلة»(2)، ويفهم من قول السهيليِّ أن الأصل منع العلم من الصرف، ولتنوين مثل (محمدٍ) علة.
تابع أستاذنا رمضان السهيلي في ردّ قول النحويين؛ ولكنه اجتهد بتفسير آخر، قال «ودخول التنوين وهو للتنكير كما ذكرنا من قبل في الأعلام العربية؛ مثل : (محمدٌ) و(عَلِيٌّ)، أمر صعب التفسير؛ لأن العلم معرفة، كما نعلم، غير أنه يمكن أن يكون في كل علَم شيء من الشيوع، وإن كان أقل من شيوع النكرة؛ إذ كثيرون يسمون بمحمدٍ وعليٍّ وغيرهما؛ فالتنوين في الأعلام للدلالة على هذا الشيوع النسبي؛ ولذلك نراه يزول عندما بوصف العلم بكلمة: (ابن)؛ لأن الدائرة قد ضاقت بهذا الوصف، وأصبح العلم محدَّدًا غاية التحديد، ببيان النسب؛ ولذلك لا يدخله التنوين في هذه الحالة؛ فيقال مثلًا: (محمدُ بنُ عليٍّ) وما أشبه ذلك»(3)؛ ولكن قوله هذا متوقف فيه؛ لأنَّ الوصف بـ(ابن) لا يخصّ هذه الأسماء المنونة؛ إذ يوصف به كل علم ذكر عاقل، مثل حمزة وطلحة، وكذا المؤنث إن وُصف بـ(ابنة)، والعلم المنون قد يخصص بالنعت نحو (جاء زيدٌ الطبيب) ولا يزول بذلك التنوين.
وأيّد رمضان رأيه قال «وقد أحس ابن جني بهذا التنكير النسبي في الأعلام؛ فقال: التنوين دليل التنكير ... فإن قلت: فإذا كان الأمر كذلك، فما بالهم نَوَّنوا الأعلام، كزيدٍ وبكرٍ؟ قيل: جاز ذلك؛ لأنها ضارعت بألفاظها النكرات؛ إذ كان تعرُّفها معنويًّا لا لفظيًّا؛ لأنَّه لا لام تعريف فيها ولا إضافة»(4). وقول ابن جنّي متوقف فيه أيضًا، فمضارَعة النكرات غير خاصة بهذا المنوّن، ومن الممنوع من الصرف ما كان منونًا قبل نقله إلى العلمية ومنع التنوين بعد العملية مثل: حمزة وطلحة ونحوها.
وزاد دليلًا آخر، قال «ويدلّ على أنّ التنوين في الأعلام لتنكيرها كذلك، أنّه إذا تحدّد تعريف العَلَم تحديدًا قاطعًا بالنداء، منع التنوين؛ كقولنا مثلًا: (يا محمدُ) و(يا عليُّ)»(5). وهذا دليل متوقف فيه أيضًا؛ إذ ليس من المقبول القول بأن تنوين الأعلام لتنكيرها فلولا أنها معهودة بعلميتها ما ترك تنوينها في النداء، بآية أنك إن ناديت نكرة مخصوصة أي معهودة بحضور منعتها من التنوين كما منعت الأعلام المنونة نحو قولك: يا رجلُ(6).
ومن شواهد ابن يعيش(7) «قال الأعشى [من البسيط]:
187 - قالت هُرَيْرَةُ لما جئتُ زائرَها
وَيْلِي عليك ووَيْلي منك يا رَجُلُ»
والقول الجدير بالقبول أنّ هذه الأعلام المنوّنة نقلت إلى العلمية بتنوينها، وهذا قول السهيلي «وإنما يُنَوَّن من الأعلام ما كان قبل التسمية به منوَّنًا نحو: أسدٍ ونَمِرٍ، وسالمٍ وغانمٍ، يتركونه على أصله منونًا»(8).
فإن قيل فلم منعت أسماء الإناث من التنوين وكانت منونة قبل نقلها، ذكّرنا بما سبق من قول السهيلي الدال على أن الأصل في الأعلام أنها لا تنوّن لمفارقتها التنكير فلا يتوهم إضافتها، وما جاء على الأصل غير مفتقر للدليل.
**__**__**__**__**__**
(1) أمالي السهيلي في النحو واللغة والحديث والفقه لأبي القاسم عبدالرحمن بن عبد الله، تحقيق: محمد إبراهيم البنّا، مطبعة السعادة/ القاهرة، 1970م. ص25.
(2) أمالي السهيلي، تحقيق البنا، ص26.
(3) المدخل إلى علم اللغة العربية ومناهج البحث اللغوي لرمضان عبدالتواب، مكتبة الخانجي، ط3، 1417هـ/ 1997م. ص 248.
(4) المدخل إلى علم اللغة العربية ومناهج البحث اللغوي لرمضان عبدالتواب 248، وانظر الخصائص لابن جني، 3/240.
(5) المدخل إلى علم اللغة العربية ومناهج البحث اللغوي لرمضان عبدالتواب، 249.
(6) انظر الكتاب لسيبويه، 2/ 197.
(7) شرح المفصل لابن يعيش، 1/ 319.
(8) أمالي السهيلي، تحقيق البنا، ص28.