أ.د. محمد خير محمود البقاعي
يقول الكاتب د. ناصر أحمد في بحثه المنشور على موقع (أنفاس نت) بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر 2011م بعنوان: «الشرق العربي بريشة الفنان الغربي»: (شكَّل وصول «محمد علي» باشا الى حكم مصر 1805م، وانفتاحه على فرنسا، وإبرام اتفاق 1814م، وحروبه مع الدولة العثمانية، والاكتشافات العلمية الأولى عن آثار/حضارات وادي النيل وبلاد الرافدين، وظهور «المسألة الشرقية»، والحملة الفرنسية على الجزائر (1830م)، والتدخل العسكري الأوروبي في المنطقة (1840-1841م) جوانب مؤثرة في فتح أبواب مصر/الشرق أمام عشرات الكتاب والفنانين الأوروبيين (بلغ عدد الفنانين والرسامين الفرنسيين فقط الذين زاروا الشرق في النصف الأول للقرن التاسع عشر حوالي 150 فناناً)؛ مما أسهم في تفعيل «الموضوع الشرقي» وفنونه في المدرسة الفنية الفرنسية، والرومانسيين منهم على وجه الخصوص، مما تجلى في وجود مئات اللوحات الشرقية التشكيلية في متحف اللوفر بباريس وصالوناتها.
كما نجد بصمات «السحر الشرقي» باديا على جدران الأكاديمية الملكية بلندن، وفي بعض ملامح الفن المعماري في روما وامستردام وفيينا وبعض عواصم أوروبا.
ولا يغيب عن البال ما كان لحفل افتتاح قناة السويس (نوفمبر 1869م) الذي أقامه الخديوي «إسماعيل»، ومظاهر البذخ البادية من أثر ملحوظ في «اندهاش» الغربيين وانبهارهم بمصر والشرق. فبهذا الاحتفال «الاسطوري» أراد الخديوي لفت الأنظار إلى مصر وحضارتها، فضلا عن محاولته إظهار استقلاله عن الآستانة، مما أوقع مصر تحت طائلة الديون الكبيرة. «اندهش» الغرب، و»ذاعت الحكايات»).
ويوضح هذا القول، وكثير غيره ما كان يتمتع به الفرنسيون على وجه الخصوص من نفوذ في مصر أيام محمد علي. وأود قبل ترجمة التقرير الطويل الذي أشرت إليه في شذرة الأسبوع الماضي الإشارة إلى كتاب يوضح ما نود الإلحاح عليه في أن الحملة على الدولة السعودية الأولى كانت حملة غربية بامتياز قادها الفرنسيون تحت ستار والي مصر الذي كرر مع حملة ابنه طوسون ما سبقه إليه الولاة الأتراك في العراق والشام ولم ينجح سعيهم.
يمكن لمن يريد التأكد مما نقول أن يقرأ كتاب:
Mehemet Ali et la France 1805-1849 Histoire singulière du Napoléon de l’Orient
Par : Caroline Gaultier-Kurhan Publié par: Maisonneuve الجزيرة Larose, 2005, 267 pages =
العلاقات المصرية الفرنسية في عهد محمد علي 1805-1849م قصة فريدة لنابليون الشرق، تأليف: كورخان غوتييه كارولين، ترجمة: نانيس حسن عبد الوهاب، مراجعة وتقديم: مجدى عبد الحافظ، الطبعة الأولى 2015 م. فإن فيه تأكيدا وتعميقا لما نطرحه بوضوح لا لبس فيه.
أما التقرير الذي وثقت عنوانه الفرنسي ومكان نشره وكاتبه وترجمته العربية في شذرة الأسبوع الفائت، ولعله من المفيد هنا ذكر بعض أحوال مؤلفه المؤرخ الفرنسي أدم فرانسوا جومار Edme François Jomard 1777-1862
وأرجو أن يعدل الاسم في كل ما سبق، إلى ما أذكره اليوم.
كان بارعا في رسم الخرائط، والمحرر الرئيس لأعظم كتاب صدر إبان الاحتلال الفرنسي «وصف مصر» وأشرف على البعثة التربوية والثقافية التي أرسلها محمد علي إلى فرنسا. وله تعاليق سبق لي نشرها في تالي كتاب «تاريخ الدولة السعودية الأولى، وحملات محمد علي على الجزيرة العربية، من كتاب تاريخ مصر في عهد محمد علي الذي صدر بالفرنسية عام 1828م للمؤرخ الفرنسي فيلكس مانجان Felix Mengin»، صاحب المقولة المشهورة: «ولكن ذلك البلد.. يضم في جنباته بذور الحرية والاستقلال، فما زالت المبادئ الدينية نفسها موجودة، وقد ظهرت منها بعض البوادر، ومع أن أسرة آل سعود قد تفرقت، ومع أن الفوضى تعم بين الزعماء، فما زال هناك أساس خصب يمكن للزمن والأحداث أن تجعله يتفتح من جديد».
نُشر التقرير الذي أترجمه اليوم كما سبق ذكره في مجلة «تاريخ المستعمرات الفرنسية، مج 22، 1929م، ص 146-172.
REVUE de L»HISTOIRE DES COLONIES FRANCAISES.
وعنوانه: من بلاد العرب إلى النيلين (يقصد مصر والسودان)، الكومندان فيسيير 1816-1835م، والمساعد أول فايسيير 1845-1860=
DE L»ARABIE AUX DEUX NILS Le Command ant VAISSIERE (1816-1835)
et PAdjudant-Major VAYSSIERE (1845-1860).
ونص التقرير: «ذكر السيد إدموند درييو في مقدمة آخر مجموعة من مراسلاته المتعلقة بمحمد علي (انظر كتابه تكوين إمبراطورية محمد علي 1814-1823م)، القاهرة، 1927= La formation de l»empire de Mohamed-Ali... (1814-1823), Le CAIRE, 1927, in 8.
بالدور الذي أداه عسكري فرنسي هو الضابط فيسيير في حملة إبراهيم باشا على الوهابيين. لقد خصص اثنتين من تلك المراسلات المتعلقة للضابط الذي نتحدث عنه، فضلا عن مراسلات أخرى أرسلها قنصل فرنسا العام في الإسكندرية ج. ب. ه روسيل J. -B. H Roussel.
إن أهم تلك ا لمراسلات هي المؤرخة بتاريخ 29 ديسمبر 1818م، وقد كتبت بإملاء شفوي من فيسيير، وفيها فضلا عن تحديد لمسيرة الحملة من ينبع إلى الدرعية عرض مختصر للعمليات العسكرية المصرية. وينبغي أن يضاف إلى الوثائق الرسمية التي نشرها السيد درييو عدد من النصوص غير المنشورة التي بادر السيد جان أوت Jean Ott (1878-1935م) مدير جمعية «روزيتا» »Rosita “ الباريسية إلى استخراجها من أرشيفات وزارة الخارجية الفرنسية (Quai d»Orsay) (علب وثائق الإسكندرية).
وسأعود إليها في سياق هذا التقرير.
لم ير السيد درييو ضرورة أن يثبت سيرة لمعاون إبراهيم باشا مع أنه ينسب إليه شرفا يجعل الدور الذي أداه مقاربا لما فعله لاحقا الضابط سيف (الذي ولد في ليون واسمه Joseph Sève 1788-1860م، ثم اعتنق الإسلام وتسمى «سليمان الفرنسي باشا»، وهو ضابط فرنسي من عهد الإمبراطورية، ثم انتقل بعد حين إلى الخدمة في مصر أيام محمد علي، وهو الجد الأول للملكة نظلي صبري والدة الملك ما قبل الأخير لمصر وكان له دور كبير في دولة محمد علي). إن إبراز الدور الذي أداه فيسيير في حملة إبراهيم باشا هو ما أفعله هنا اليوم. ونحن لا نقتصر هنا في مصادرنا على وثائق السفارة الفرنسية في مصر التي ليس أول همها، كما نعلم، نقل الحقائق ناصعة.
لنذكر بادئ ذي بدء المؤلفين الذين وصفوا العقبات الكأداء التي واجهها محمد علي في مواجهة آل سعود La dynastie des Ibn-Séoud
(لعل هذه من أول الإشارات إلى هذه التسمية بدل تسمية الوهابيين).
ونبدأ حديثنا بذكر الأحداث التاريخية التي ذكرها من ألفوا في هذا المجال: -فيلكس مانجان Félix Mengin
كان على وجه الخصوص يولي اهتماما لأحداث الحملة المصرية من 1801-1823م.
أما أخيل «تونيل» دو فولابل (1799-1879م) Achille “Tenaille” de Vaulabell
(وهو صحفي وسياسي فرنسي) احتوى كتابه أحداث عشر سنوات زيادة عن سابقيه (عنوان كتابه: تاريخ علمي وعسكري للحملة الفرنسية على مصر، مسبوق بمقدمة تحتوي على تفصيل لتاريخ مصر القديمة والحديثة، مهدى للملك، بالاشتراك مع Louis Reybaud لويس ريبو، 10 مجلدات، باريس 1836م =
Histoire scientifique et militaire de l’expédition française en Egypte, précédée d’une introduction présentant un tableau de l’Egypte ancienne et moderne, dédié au roi, avec Louis Reybaud, 10 vol., Paris, 1836).
ونذكر أخيرا إدوارد جوان Edouard Gouin، الذي مضى في سرديته حتى وفاة الباشا الكبير.
(عنوان كتابه: مصر في القرن التاسع عشر تاريخ عسكري وسياسي قصصي وشيق لمحمد علي، وإبراهيم باشا، وسليمان باشا (الكولونيل سيف) باريس منشورات بول بوزارد، 1847م.
Gouin, Edouard. L»Egypte au XIXe siècle. Histoire militaire et politique, anecdotique et pittoresque de Méhémet-Ali, Ibrahim-Pacha, Soliman-Pacha, colonel Sèves. Paris, Paul Boizard, 1847.
وترجم الكتاب في مجلدين، محمد مسعود، وطبع في القاهرة عام 1340هـ/1921م).
ويتضح من هذا كله أن أحداث حرب نجد كانت مشتهرة معروفة، وأن ما نشره السيد درييو من أوراق القناصل روسيل، و»ألكسندر» بيلافوان Pillavoine، و»برناردينو» دروفيتي (1776-1852) Bernardino، DROVETTI وبيير بول تيدونات- دوفان Pierre-Paul Thédenat-Duvent
(1756- توفي بعد 25 أغسطس 1830م. وكان بين عامي (1815-1820) نائباً للقنصل في الإسكندرية، وبين عامي (1821-1824) نائباً للقنصل في القاهرة). هذه الأوراق لم تفدنا بكثير من المعلومات. في حين أن التوجيهات المرسلة إلى هؤلاء الوكلاء - وهي مثبتة في مجموع التقرير المذكور نفسه - تسهم في إلقاء الضوء على السياسة الشرقية لفرنسا في مرحلة الإصلاح Restauration (بين عامي 1814- 1830م). ولنا لقاء.