د. شاهر النهاري
سؤال تم طرحه بتكرار أثناء فعاليات لقاء منتدى التنمية الخليجي في مدينة مسقط وتحت عنوان «مستقبل إدارة تغيرات المناخ والتنمية الإقتصادية في دول الخليج العربية» ولعلنا في مقالي هذا أن نقترب من مسودة تداعب شجون هذا السؤال، الذي يهم جميع المعنيين ومحبي أوطانهم في كل مكان والباحثين عن مستويات وعي العصر الحالي والبشرية القادرة.
عجبت أن هذا المنتدى لا يتبع لجهة معينة، ولكنه نشاط فكري حريص يجمع عقولا متطوعة من أبناء وبنات الخليج ورموز ثقافة وأصحاب خبرة يتلاقون على حب الإفادة بمختلف مساراتها الوطنية، يجتمعون كل سنة في دولة خليجية وبموضوعات تؤكد حيويتها في كل دورة، وعلى الكلفة الشخصية للأعضاء.
وفي مدينة مسقط، التي أزورها لأول مرة قابلت تراحيب وطيبة وكرما، وكنت أتفاعل دهشة من وطن ينتصب فوق قمم جبال وعرة، تطل بشموخها على خضار بحر عمان وأنفاس متلاحقة كمن يتصعد في السماء ممتدة على قمم أمواج المحيط الهندي.
من الطائرة شدتني البيئة، قرى متباعدة بين الجبال استغربت فيها ندرة شوارع الإسفلت، عكس مدينة مسقط الواقعة بشوارعها الأنيقة ومبانيها البيضاء الراقية قليلة اللوحات والضجيج البصري، ما يعكس نتاج تاريخ ماضي معانقة الأمواج والتعامل مع تجارة البهارات وأطماع البرتغاليين والفرس والعثمانيين والإنجليز، ونهاية بقرار قابوس وتطور الإنسان العماني الحالي وعروبته، وحرصه على وطن خليجي يغازل شمال خط الاستواء ونكهة جوز الهند، والتي أصبحت مؤخرا تعرف الأعاصير البحرية والجوية حينما تغمر الجبال تضررا من الاحتباس الحراري العالمي.
محاضرات المنتدى كانت خليجية متنوعة ذات قيمة تسكن في عمقها مشاعر الوطنية والحب للثرى والشواطئ الخليجية والصحاري في أوطان ناهضة رغم ما يواجهها من تصحر وارتفاع درجات حرارة وتنامي صناعات بترول تظل تستقرئ الطالع وتستبشر بالخير إيما وأينما كانت مشارقه، شعوب يزرعون الأمل ويحاولون مجاراة علوم دول سبقتها في التنبه للأخطار ودراسة البيئة ومعاناتها حسب وعي حكوماتها وجامعاتها ومراكز بحوثها وقدرات مشاركة القطاع الخاص في صنع بذرات الأمل بدلا من انتظار الفرج يلوح من بعيد بقبعة أجنبية.
معالجة البيئة فرض عين على كل ساكني هذا الخليج الثري، وهو رؤية أمن للأجيال القادمة، وتحد عظيم للحكومات، ولإعلام يعي ويبدل جهوده لرفع حدود الوعي الشعبي، وكل يصنع ما يطول، لرسم وصناعة الأهداف.
مجرد مؤتمر هنا واحصائيات هناك ودراسة منثورة غير مُحكمة على الصحافة تظل كومة خيوط تحتاج لمن يفكفكها بإيمان ويقين ومعرفة بالبيئة والمناخ كلية لا تتجزأ ضمن دفء نسيج طفولة وطن تغزل أطرافها أيادي وعقول وحرص أهل خليج قادر مبتدئين بالوعي الشخصي وتغيير العادات، التي يظن البعض أنها قليلة التأثير، بينما هي حسن المسار لبرء الثرى والبحر والسماء مما عكر صفوها طوال عقود التصنيع الماضية وحروب الخليج، واهدار المياه والطاقة، والفتك بالغطاء الأخضر، وغابات العرعر، وجعل البيئة شوارد مسؤوليات مجزأة لا يتفق على أهميتها وفعلها وجني ثمارها للقادم.
درجات حرارة دول الخليج تعاند وتكسر أذرع القمم العالمية، وكميات الإسفلت تزيد التمادي ومستويات مياه الخليج الملوثة تزدرد رمال الشواطئ، والمخلفات السامة تذبح الشعاب المرجانية ونقاء الشواطئ والنباتات، وتسمم الأودية والصحاري بما يبنى فيها من أسمنت، وما يطمر من مخلفات بلاستيكية تبدأ بعبوات الماء الصغيرة المليارية وأكياس وسفر وكل ما هو كيميائي وبلاستيكي وبتروكيميائي وزجاج نحقنه في جثة بيئتنا بأنفسنا، وعلى الإعلام نظل نتباكى ونزيد حيرتنا فيمن عليه المسؤولية.
الإعلام لا شك مقصر وهو عاجز عن رسم صور الوعي والوقاية في اهتمامات أجيالنا.
والتعليم مناهج حفظ وتسميع، لا تصنع التجربة الشخصية ولا تقنع الصغار بالأضرار المتوقعة.
البيئة والمناخ.. مسؤولية من؟
على الحكومات، الأكاديمي، الإعلام، العامة، المصانع، التجار، بلديات المدن، مزارع الآبار الارتوازية الجائرة، أحباب البيئة، الجامعات ومراكز البحوث، أو على النظم المعمول بها، أو معاهدة المناخ العالمية، التي لا يلتزم بتنفيذ شروطها ونتائجها أغلب أعضائها، أم على هيئات ولجان الزيف يتقلبون في رخاء وفسح تنتهي بنهاية الاجتماعات في عواصم البرد والزجاج، أم أن الحمل يقع على المتطوعين ممن يرغبون في المشاركة بنوايا حسنة، وليس ممن يحضرون لأخذ الصور السلفي!؟
لا شك أن لكل ما ذكر أهمية، ولكن الحكومات تظل هي الكتف العريض المقتدر صاحب الصوت والرؤية وامكانية التوجيه لدراسات متعمقة متخصصة ثم وضع الحلول والجدوى وتأكيد طرق التنفيذ والمتابعة وسن القوانين للحماية، ومنع المتعدي على البيئة والمعاقبة، كونها المظلة الوطنية الكبرى، التي يجتمع تحتها الجميع يبحثون يفكرون ينظرون يتطوعون ينسقون يدرسون وينفذون بروح محبة جماعية ومشاريع ميدانية غ ير ربحية تتبناها الشركات والمصانع المتسببة في الخلل، حينما تعرف واجباتها الوطنية، وتقصد مساعدة البيئة لتصبح نقية متعافية، وليس من يريدون زيادة بريق واجهاتهم، ولا من يكتشفون جنازة يشبعون فيها أدمع التماسيح أثناء جمع الملايين، وذر بعضها في الأعين لإقناع الحكومات والإعلام وقنوات التواصل بأن عملهم خالص للوطن ومستقبل للأجيال، ومؤصل علمي عملي نافع بتأثيراته المفيدة أكثر من بهرجته الشكلية.
وزارات البيئة الخليجية لا بد لها من رؤية موحدة، وتشارك انتخاب الأفكار والتكاليف، وبأهداف وفترات زمنية محسوبة لتحقيق التقدم، والمتابعة دوريا.
ولا تستهينوا بما يمكن أن يحدث، فقد نتمكن يوما من قيادة دول عظمى أصبحت تعاني من الجفاف وندرة المياه وتسمم البيئة، والمعاناة من الأعاصير والتوسونامي وارتفاع مستويات البحار، وذوبان الجليد وخروم الأوزون بأفكارنا النيرة حينما تصدق نوايانا وجهودنا في البحث عن حلول ناجعة مستدامة.