محمد بن عيسى الكنعان
قبل أيام احتفلنا بذكرى يوم تأسيس مملكتنا الغالية، الذي يُصادف 22 فبراير من كل عام ميلادي. هذا اليوم المجيد يُشكل رمزية معتبرة، ويعكس دلالة واضحة، فهو يرمز إلى العمق التاريخي لبلادنا، والإرث الحضاري للمملكة، كما يدل على البدايات المفعمة بالعزيمة الصادقة، والإرادة الصلبة لأصحاب الهمم العالية. كما يؤكد مسألة طالما غابت عن كثير من المؤرخين والمحبين لهذا الوطن العظيم، وهي أن تأسيس الدولة السعودية الأولى الذي كان عام 1139هـ (1727م) هو في حقيقته عودة الدولة المركزية إلى الجزيرة العربية، التي خرجت منها بنهايات الخلافة الراشدة؛ عندما انتقل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه من المدينة المنورة إلى الكوفة بالعراق عام 36هـ (656م) ولم تعد بعدها.
من هنا تكمن أهمية أن نتحدث لأبنائنا وبناتنا عن هذا اليوم الخالد في ذاكرة الزمن، فلا شك أن كثيراً منهم يعرفونه وتعلموا بعض تفاصيله، لكن ربما لم تكتمل في أذهانهم الصورة الحقيقية المعبرة عن قيمته الوطنية، ومنزلته التاريخية. لا بد أن يستحضروا أحداثه ليدركوا أبعاده؛ عندما تسبح أذهانهم في ذاكرة التاريخ متخيلين روعة المشهد وعظمة الحدث؛ إمارة صغيرة نائية اسمها الدرعية في نجد - وتُعرف بالعوجا - تحولت خلال ثلاثة قرون إلى دولة كبيرة أشبه بقارة مترامية الأطراف، ومتنوعة الأعراق والقبائل، ومتعددة الثقافات والعادات والتقاليد. تلك الإمارة الصغيرة الواقعة في إقليم اليمامة على ضفاف وادي حنيفة من الجهتين، قد تأسست عام 850هـ (1446م) على يد مانع بن ربيعة المريدي من بني حنيفة بن بكر بن وائل (جد آل سعود). ثم تتابعت ذريته في حكم إمارة الدرعية، حتى جاء الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، الذي أحدث النقلة النوعية في الإمارة، حيث وحّد شطري الدرعية، وأسس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ (1727م)، وحكم قرابة 40 عامًا، نجح خلالها في توسيع رقعة الدولة بضم المناطق النجدية، وتأمين طرق الحج، والتصدي للحملات المعادية، كما بنى سور الدرعية عام 1172هـ (1758م)، وبنى حي سمحان إلى جانب أحياء الدرعية الأخرى: (غصيبة، الطريف، البجيري، الظويهرة، المريح، النقّيب، السُريحة)، ثم خلفه بحكم الدولة الناشئة ابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، ثم الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد، ثم الإمام عبدالله بن سعود، وفي عهده سقطت الدرعية عام 1233هـ (1818م). لكن هذه الدولة العظيمة تمرض ولا تموت بفضل الله، فلقد أعادها الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود (راعي السيف الأجرب)؛ بتأسيسه الدولة السعودية الثانية في الرياض 1240هـ (1824م)، وقد استمرت حتى عام 1309هـ (1891م) بسقوط الرياض بيد ابن رشيد، إلا أن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود - طيب الله ثراه - استعاد مدينة الرياض عاصمة ملكه عام 1319هـ (1902م)؛ ليبدأ بعدها ملحمة التوحيد لكل مناطق المملكة حتى كان إعلان المملكة العربية السعودية في 21 جمادى الأولى 1351هـ (23 سبتمبر 1932م) وهو تاريخ يومنا الوطني.
هذا بإيجاز القصة الاستثنائية لدولة عظيمة اسمها السعودية، مع تعاقب الأعوام وصروف الأيام وطموح القادة وعزم الرجال تحولت من بلدة صغيرة إلى دولة لها مكانتها المرموقة في العالم، فهي اليوم قلب العالم الإسلامي، ومحور الوطن العربي، والعمق الاستراتيجي للخليج، وعضو مجموعة العشرين. وهنا لنا أن نقف ونتساءل: ماذا يعني دولة تأسست منذ ثلاثمائة عام وما زالت - ولله الحمد - بقيادتها، وقوتها، وتماسكها، ونموها، واستقرارها، وازدهارها؟ يعني ببساطة قوة وحدتنا الوطنية، وشموخ رايتنا، واجتماع كلمتنا حول قيادتنا. من هنا تبرز قيمة هذا اليوم التاريخي المميز، كونه يعكس حجم الإنجاز في كيان الدولة، إنجاز استثنائي في تاريخ الدول ونشأة المجتمعات. هذا الإنجاز يتطلب أن نستلهم كل معاني الانتماء للوطن والولاء للقيادة الرشيدة ممثلةً بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله -، هذا الإنجاز يتطلب أن نواصل مسيرتنا بإخلاص في نهضة بلدنا كل في مساحته وحسب جهده وقدرة عطائه.