الكويت - خاص بـ«الجزيرة»:
تعد المحامية الشيخة فوزية سالم السلمان الصباح، خريجة كلية الحقوق جامعة الكويت، والحاصلة على شهادة الماجستير، من أبرز المحاميات في الكويت، وقد بدأت حياتها العملية بالتدرب في مكتب محاماة لمدة سنة، ثم محامية في بنك الكويت المركزي، ثم محامية في مجلس الوزراء، ثم قدمت استقالتها وافتتحت مكتب محاماة، بالإضافة إلى كونها عضوة في جمعية المحامين، وعضوة في جمعية الصحافيين بصفتها كاتبة في العديد من وسائل الإعلام، بالإضافة إلى عضويتها في عدد من منظمات حقوق الإنسان العالمية، وعضو هيئة التحكيم الدولية.
في حوارها مع «الجزيرة» تحدثت عن أسرار مهنة المحاماة، وتناولت العديد من القضايا والمواقف التي مرت بها، من خلال إجابتها عن الأسئلة التي وجهناها إليها حول المشكلات الاجتماعية والأسرية، وغيرها؛ فماذا قالت:
* بداية.. كيف كان مشوارك مع المحاماة؟
- بعد التخرج تلقيت تدريبي في مكتب محاماة خاص، ثم عملت محامية في بنك الكويت المركزي، حيث اكتسبت مهارة كبيرة في العمل المصرفي، ثم عملت في إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الوزراء، وهذا التنوع في العمل والاحتكاك المباشر مع المؤسسات الحكومية والتجارية الخاصة جعلني أكتسب خبرة متنوعة فقدمت استقالتي رغم أن الكثيرين يحلمون بالعمل لدى جهة عملي بسبب الامتيازات التي يحصلون عليها وافتتحت مكتب محاماة خاصاً متخصصاً في جميع مجالات القانون المحلي والدولي.
* وماذا تعني لك مهنة المحاماة، وماذا أضافت لك؟
- مهنة المحاماة هي مهنة إنسانية قبل كل شيء، ولا يمكن أن يكون الشخص محامياً ناجحاً إلا إذا امتلك ثقافة لا بأس بها حتى يستعين بها في عمله ومرافعاته، وهي مهنة يغلب عليها الطابع العلمي إذا تخصص المحامي في القضايا التجارية والمدنية ويغلب عليها أيضاً الطابع الفني إذا تخصص في الجنايات، وهي مهنة شاقة لكنها تصقل الشخصية من خلال التعامل مع قضايا ومشاكل مختلفة. لذلك نجد أن أغلب قادة الثورات ورؤساء الأحزاب هم من رجال القانون، لأنها تصقل شخصية الإنسان وتمنحه قوة غير طبيعية .
* معنى ذلك أن لهذه المهنة هموما كثيرة؟
- مهنة المحاماة هي من المهن الشاقة فكرياً ونفسياً لكن المحامي المحب لمهنته يعتاد عليها مع الوقت، وهموم المهنة كثيرة فهي لا تُحصى ولا تُعد، فيكفي أن المحامي يتحمل مسؤولية ومشاكل جميع موكليه ويتابع حقوقهم ويتألم عندما يتألمون ويفرح عندما يفرحون، فعندما تواجهك مشكلة شخصية تعيش في حالة تفكير مستمر، فما بالك عندما يضع آلاف الأشخاص مشاكلهم كلها في رقبتك وعليك أن تجد لها حلاً يرضيهم؟!
* وما المعوقات التي تواجه المحامي في بعض الأحيان؟
- معوقات كثيرة، أهمها بوجه عام طول أمد التقاضي في المحاكم، ويقال إن التأخير في تطبيق العدالة ظلم، ومن المعوقات عدم وجود مستندات لدى صاحب القضية رغم عدالة قضيته، كما يقرض شخصاً مبلغاً من المال نقداً ودون وجود شهود، وأحياناً أمزجة الموكلين المختلفة، لذلك يجب أن يتحلى المحامي بالصبر والحكمة والأمانة ويتعامل مع جميع الموكلين بسواسية مهما علا شأنهم أو صغر.
* وما هي القضايا التي تميلين إليها؟
- نحن متخصصون في جميع أنواع القضايا دون استثناء سواء قضايا الشركات أو الأفراد، والمحامي الناجح يجب أن يعمل بكفاءة في كل فروع القانون.
* وهل هناك قضايا ترفضينها؟
- أرفض الدفاع عن قضايا الإتجار بالمخدرات لأنني أضع أمامي دائماً الله سبحانه وتعالى وسمعتي في المحاكم، وأي قضية فيها شبهة حرام لا أستقبلها، لأنني لا أدافع عن موكل أرى أنه ليس صاحب حق أو ظالم، ويقول الشاعر:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا
فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
* لا تخفى عليكم الآثار الخطيرة التي تورثها المخدرات للفرد والمجتمع، فما هو السبيل الأمثل للقضاء على السموم في دول الخليج؟ وما أسباب تفشيها وانتشارها؟
- الحد من ظاهرة انتشار المخدرات هو محاربتها في عقر دارها من خلال التعاون الأمني مع الدول التي تزرع وتنتج المخدرات والتي تعاني من عصابات المخدرات للحد من تهريب تلك السموم إلى دول الخليج، والاستعانة بأجهزة متطورة في الحدود البرية والمطارات لكشف المخدرات بالإضافة إلى تدريب الأجهزة الأمنية والجمارك على كشف عمليات التهريب من بعض الدول التي تنشط بها عصابات المخدرات.
والخلاصة يجب محاربة منتجي ومصدري المخدرات إلى بلادنا قبل محاربة تجار المخدرات المحليين.
أما تفشي ظاهرة المخدرات بين الشباب فيعود إلى عدة أسباب منها قلة الوازع الديني وأصحاب السوء وقلة الرقابة الأسرية والتفكك الأسري، وقلة الرقابة الأمنية على تجار المخدرات والمتعاطين، وأود أن أشير إلى أن متعاطي المخدرات مريض قبل أن يكون مجرم ومن ثم على الدولة إنشاء مؤسسات علاجية لعلاج المدمنين وفق الأسس العلمية الحديثة بدلاً من إيداعهم السجون وإنفاق مبالغ كبيرة عليهم دون جدوى.
* وما أهم القضايا التي ترافعت فيها؟
- ترافعت في جميع القضايا الإدارية والتجارية وقضايا الأسرة وغيرها.
* وما هي القضايا التي تثير مشاعرك؟
- عندما تحدث خلافات بين الزوجين يفكر كل واحد منهما بالانتقام من الآخر عن طريق الأبناء، وأحياناً يصل الأمر بنفي نسب الطفل الذي لا ذنب له سوى أنه ولد في كنف زوجين لا يستحقان الأبوة، وكذلك عندما يتنازع الأخوة على ميراث والدهم المريض قبل وفاته، أو حتى بعد وفاته وتحدث القطيعة بينهم من أجل المال، وكثيرة هي القضايا التي أثارت حزني منها عندما قتل الأخوة أختهم بناء على شكوكهم وتبين لهم لاحقاً على عدم صحة المعلومات وأنهم قتلوها ظلماً.
* وهل هناك قوانين بحاجة إلى تعديل؟
- في نظري كل القوانين بحاجة إلى تعديل لتتماشى مع التطور السريع ولكن أهمها قانون التجارة والاستثمار الأجنبي.
* وهل الأفراد بحاجة إلى ثقافة اللجوء إلى المحاكم؟
- تطبيق لغة القانون من قبل الأفراد ولجوئهم إلى ساحات المحاكم ظاهرة حضارية تدل على تنامي ثقافة التقاضي والقانون بدلاً من ثقافة الفوضى والعنف، والدستور الكويتي نص على حق التقاضي والحمد لله لدينا ثلاث درجات من التقاضي وقضاء عادل ومتطور يكفل حصول كل خصم على حقه.
وأود أن أشير إلى أن حضارة الدول وتقدمها لا يُقاس بشوارعها الفسيحة وأبراجها الشاهقة بل بمدى تطبيقها للقانون. وتطبيق العدالة على الجميع.
ونصيحة للكافة فقد أصبح من الضروري على أي شخص مراجعة المحامي قبل أن يوقع على العقد اذا كان العقد مهماً ليعرف حقوقه وواجباته.
* وهل تتذكرين حادثاً لفت نظرك في المحاكم؟
- أولاً لابد أن أشير أن كلية الحقوق في الكويت تأسست عام 1967 قبل غيرها من كليات دول الخليج وقد استقبلت العديد من الطلبة الخليجيين وخرّجت الكثير من القانونيين والقضاة . ولهذا السبب لدينا موروث قانوني كبير، وهناك أحداث كثيرة وقعت في قاعات المحاكم، منها وقائع لقضاة أفاضل تدل على حرصهم الشديد على سرعة الفصل في القضايا المعروضة أمامهم، خصوصاً إذا كان المتهم محبوساً على ذمة القضية. ففي شهر رمضان قبل عدة سنوات طلب أحد المحامين من أحد القضاة تأجيل القضية لأنه غير قادر على الترافع لأنه صائم، فأجابه المستشار بحزم: اذهب واشرب ماء وترافع عن موكلك لأن الترافع عن متهم محتجز في الزنزانة عبادة، فقرار المستشار الفاضل حكمة، فأيهما أولى، أن يفطر المحامي أم أن يبقى المتهم الذي قد يكون بريئاً محبوساً طوال شهر رمضان؟!
* تفشت مؤخراً ظاهرة بلاغات التعرض للاحتيال الإلكتروني، فكيف ترونها وبالذات حتماً تكون الجريمة عابرة للحدود؟
- في السابق كان اللص يتحمل عناءً شديداً من أجل ارتكاب عملية السرقة، والآن وبعد التطور الإلكتروني السريع أصبحت عمليات السرقة لا تحتاج سوى الجلوس خلف شاشة كمبيوتر وسرقة حسابات بأكملها، ومن ثم على الدول أن تتطور وتتماشى مع التطور الإلكتروني وإلا ستقع فريسة للاحتيال الإلكتروني، لأنه يقع على عاتقها حماية المواطنين والمقيمين، وتشديد العقوبات بلا رحمة على المحتالين إلكترونياً لأن هذه الاحتيالات تهدد كيانات الدول حتى لو وقعت على الأفراد.
* هناك ثمة مشكلات ظهرت وتفاقمت في أوساط المجتمع فما سيكون لها أثر في هدم الكيانات الأسرية كالطلاق وغيره فكيف نحمي المجتمعات الخليجية من تزايد تلك المشكلات لحماية الأجيال والأسر؟
- حماية أفراد المجتمع من المشاكل الأسرية هو من خلال نشر التوعية في المدارس ووسائل الإعلام.
* صدر لكم كتاب جديد بعنوان: «وراء كل قضية حكاية» ترى ما أبرز مخرجات الكتاب التي ظهرتم بها؟
- كتاب «وراء كل قضية حكاية» عبارة عن مجموعة قصص متنوعة من المحاكم كجرائم القتل والمخدرات والأخطاء الطبية والمشاكل الأسرية والخدم وغيرها، تمت كتابتها بأسلوب مبسط ومختصر بهدف التوعية وزيادة الثقافة القانونية، لاسيما أن الجريمة ظاهرة اجتماعية طبيعية في كل المجتمعات، فلا يخلو مجتمع منها سواء كان متطورا أو متخلفا، لكن معيارها يختلف حسب المستوى الثقافي والتعليمي والمعيشي في المجتمع والتزامه الديني والأخلاقي. ومن المفارقات في بعض هذه القصص أن أولى محطاتها سعادة وفي نهاية محطاتها حزن وخوف وندم.
مما يجعل تلك القصص قريبة من مشاعر القارئ حتى يتخذ منها العظة والردع ويستفيد من أخطاء الآخرين الذين قادهم حظهم العاثر أو سوء تفكيرهم لارتكاب جرائم ما كان يجب أن يرتكبوها فيما إذا حكموا عقولهم.
إن بعض المجرمين الذين ارتكبوا جرائمهم باحترافية اعتقدوا قبل تنفيذها أنهم في غاية الذكاء وأنه من الصعوبة اكتشافها، لكن لو أنهم كانوا يعلمون عاقبة أفعالهم وأنهم مهما فكروا وخططوا سيتركون دليلاً خلفهم وسيتم اكتشاف أمرهم لما ارتكبوا من الجرائم.
ولا يوجد سلوك إجرامي أو منحرف بالوراثة، فلا يولد الإنسان مجرما بالفطرة بل هناك ظواهر وتصرفات تجعل منه سلوكا إجراميا وأهمها البيئة المحيطة به المتمثلة في الأسرة المفككة وأصدقاء السوء ووسائل الإعلام المنحرفة وقلة التوجيه التربوي في المدرسة.
وتبدأ أولى محطاتنا مع الكتاب بقصة «قتلها من أجل بضعة دنانير»، ثم «العاشق القاتل»، و»الزوج المسحور»، إلى «لم يعترف بابنه لأنه لا يشبهه»، و»الكلب المفترس شيبرد عض الجار»، وبعده «الزوج البخيل»، والتي «هربت في ليلة زفافها من زوجها الكفيف»، و»الطبيب نسي الإبرة المكسورة داخل سن المريض»، فـ»جرعة زائدة»، ولماذا «ضرب السائق مخدومه بساطور وسرقه»، بعدها «خطأ طبي تسبب بشلل المولودة»، وكيف «صورها لإرغامها على الزواج منه»، و»سنقور وسنقورة»، إلى «صاحب مقهى يبث حفلات الأعراس»، وصولاً إلى «الشايب والجميلة»، بعدها «الطبيب المزيف، و»جراح ينسى الفوطة في بطن المريض»، و»مدمن الطاولة الخضراء»، إلى «الجار السكران»، والذي «ضرب زوجته الثالثة لأنها لم تحمل»، لـ «الزوجة المسترجلة»، و»أمي دمرت حياتي»، وبعدها «الماكرة»، مع المدمن التائب، وكذلك الذي «اعتدى على الخادمة وأمه أبلغت عنه»، لنصل إلى «المؤبد لابن إعلامي معروف»، والختام مع «خلاطة الأسمنت حطمت عظامه وفرمته».