بدر بن عبدالمحسن المقحم
مع تصاعد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وزيادة النزيف الفلسطيني وبالذات في قطاع غزة، وما صرحت فيه الإدارة الأمريكية الحالية من تبني خطة لتهجير أهل غزة خارج أراضيهم الأصلية، وما اقترحته تلك الإدارة في أن تكون مصر والأردن مكانا لذلك التهجير، والموقف العربي المعلن والمضاد لهذه الخطة الأمريكية الذي تجلى في الموقف السعودي الصارم من خلال البيان الصادر عن وزارة الخارجية المستنكر بصورة صارخة هذا المسلك المعوج وأقتبس التالي منه (.... تؤكد المملكة رفضها القاطع لمثل هذه التصريحات التي تستهدف صرف النظر عن الجرائم المتتالية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأشقاء الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك ما يتعرضون له من تطهير عرقي، موضحا هذا البيان، أن هذه العقلية المتطرفة المحتلة لا تستوعب ما تعنيه الأرض الفلسطينية لشعب فلسطين الشقيق وارتباطه الوجداني والتاريخي والقانوني بهذه الأرض؛ فقد دمرت قطاع غزة بالكامل، وقتلت وأصابت ما يزيد على (160) ألفا أكثرهم من الأطفال والنساء، دون أدنى شعور إنساني أو مسؤولية أخلاقية.
وتؤكد المملكة أن الشعب الفلسطيني الشقيق صاحب حق في أرضه، وليسوا دخلاء عليها أو مهاجرين إليها يمكن طردهم متى شاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم). إن هذا البيان بعباراته القوية تجاه ما يحدث للشعب الفلسطيني الشقيق يعكس الموقف المبدئي للمملكة إزاء القضية الفلسطينية كقضية مركزية للعرب والمسلمين، وقد أتى اجتماع قمة الرياض يوم الجمعة 22-8-1446هـ الموافق 21-2-2025م الذي جمع دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء سلطنة عمان) بالإضافة إلى مصر والاردن ليعطي الدليل الناصع على حرص المملكة في لمّ الشمل العربي ويضمن القدر الكافي لنجاح القمة غير العادية المرتقب انعقادها في 4 مارس القادم بالقاهرة بغية الوصول إلى أتفاق على خطة تنقذ الفلسطينيين من أتون هذه الحرب الصهيونية الشرسة وتنهي احتلال أراضيهم وتعيد الحق لأصحابه الأصليين وتضمن لهم دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967م وعاصمتها القدس الشريف، وبناء عليه وفي ظل ما تشهده المنطقة في هذه المرحلة الحالية والحسّاسة من تاريخها من تحول جيوسياسي بعد أحداث قطاع غزة المأساوية، وسقوط نظام الأسد الدموي في سوريا على أيدي الفصائل المسلحة السورية، وما أثمر عن ذلك من قيام حكومة في دمشق بزعامة السيد/ أحمد الشرع الذي قوبل بترحيب عربي ودولي وبالذات من المملكة التي أختارها الشرع كأول محطة في زياراته الخارجية. إن مثل هذه التطورات تشي ببزوغ وضع جديد للمنطقة المليئة بالكثير من التحديات والقلاقل، وهو ما يستوجب تضامن العرب جميعا ليكونوا على مستوى تلك التحديات والمخاطر على الأمن القومي العربي ولعل أحد شروط هذا التضامن تدعيم النظام العربي القائم بعناصر القوة والمنعة له واستثمار ما لدى الدول العربية من القدرات البشرية والمادية لبث روح جديده في النظام العربي وتكون المملكة بحكم قيادتها وريادتها ومكانتها الإقليمية والدولية الترس الأساسي في تحريك العجلة العربية والدفع بها إلى آفاق أرحب من التنسيق والتعاون وتضافر الجهود بما يخدم المصالح العربية ويزيد المناعة في الجسد العربي الواهن، ويأخذ بيد شعوبه إلى مستويات أفضل وحياة أجود، ولعل من أبرز تجديد آليات العمل العربي المشترك (مع الأخذ بالاعتبار بالأهمية القصوى للعلاقات الثنائية وتنميتها) هو إصلاح منظومة جامعة الدول العربية بكل ما تعنيه كلمة (إصلاح) من معنى بحيث يكون عماد هذا الإصلاح استقطاب الكفاءات وأهل الخبرة من كالدول العربية صوب الجامعة العربية، ووضع البرامج التطويرية لتحسين إداء عملها وفق جدول زمني محسوب وأن يخضع العاملون فيها لمعايير الجودة والإنتاجية، وأن يصار إلى مبدأ تدويل منصب أمانة الجامعة بين الدول العربية تحقيقا لمبدئي/ تكافؤ الفرص وتنويع الخبرات أسوة بما هو معمول فيه بهيئة الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي، مع الاستفادة من الثورة التكنلوجية خاصة في المجال الرقمي والاتصال السريع وجمع المعلومات، وعقد مؤتمرات وورش عمل لبحث كل أسباب رقي وتطوير الجامعة العربية ومؤسساتها التابعة لها نحو الأفضل، وفوق كل هذا وهو الأساس، الإرادة العربية في تنفيذ القرارات الصادرة عنها بروح من العزيمة الصادقة وحسن النوايا، وبما يوصل للأهداف المرجوة التي وضعها المؤسسون عام 1945م ويعزز من مضامين ميثاقها ويدعم لبنات مقومات الأمن القومي العربي بحيث تكون مخرجاتها تلامس طموحات الحكومات العربية، وتستجيب للتعاطي مع التحديات والمخاطر الحالية والمستقبلية، وبما يحقق تطلعات الشعوب العربية من هذه المنظمة التي مرّ على عمرها ثمانية عقود مضت.