د. طارق بن محمد بن حزام
كل عام يتم إخلاء ملايين الأشخاص، حول العالم قسرًا من منازلهم وأراضيهم، ما يتركهم في الكثير من الأحيان يعيشون، في فقر مدقع وعوز، وقد تتسبّب عمليات الإخلاء القسري بصدمة حقيقيّة. بل إنها تزيد من تدهور حياة المهمشين أصلاً أو الضعفاء في المجتمع.
كما أنها، تنتهك مجموعة واسعة من حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا، وفيها الحقوق في السكن اللائق والغذاء والماء والصحة والتعليم والعمل والأمن الشخصي، والتحرر من المعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة وحرية التنقل، لمفهوم «يعرّف التهجير القسري بأنه»ممارسة ممنهجة تنفذها حكومات أو قُوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية؛ بهدف إخلاء أراض معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلاً عنها»، ويكون التهجير القسري إما مباشراً أي ترحيل السكان من مناطق سكناهم بالقوة، أو غير مباشر، عن طريق دفع الناس إلى الرحيل والهجرة، باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد.
يعرف القانون الدولي التهجير القسري، بأنه إخلاء غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض الذي يقيمون عليها، وهو يندرج ضمن جرائم حرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
ووفق ما ورد في نظام روما الإنساني للمحكمة الجنائية الدولية، فإن «إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين يشكل جريمة ضد الإنسانية»، كما أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراض أخرى.
إن إعادة إحياء هذا الطرح من قبل ترامب يطرح تساؤلات حول مدى جديته، خاصة أنه يأتي بعد عدوان إسرائيلي واسع على غزة، أسفر عن تدمير هائل في البنية التحتية وتشريد عشرات الآلاف من السكان.
في ظل هذه الظروف، قد يُنظر إلى التهجير ليس كحل طوعي، بل كسياسة فرض أمر واقع تستغل الأوضاع الإنسانية الكارثية لدفع الفلسطينيين إلى مغادرة وطنهم. ثم إن الإشارة إلى مصر والأردن كوجهات محتملة للمهجرين تفضح رغبة في تصدير المشكلة إلى دول الجوار، بدلًا من معالجة جذور الصراع، وهو ما يضع هذه الدول في موقف حرج بين رفضها الرسمي لهذه المخططات وضغوط القُوَى الكبرى لتنفيذها.
المعركة اليوم لم تعد تقتصر على الأرض فقط، بل أصبحت أيضًا معركة رواية وتصورات، حيث يسعى كل طرف لفرض رؤيته لمستقبل القضية الفلسطينية. إسرائيل تحاول تصوير تهجير الفلسطينيين كحل منطقي لمشكلة غزة، بينما يسعى الفلسطينيون إلى إثبات أن هذا المخطط ليس سوى استمرار لسياسات التطهير العرقي الذي تمارسها إسرائيل منذ عقود.
في ظل هذا الصراع، فإن الحفاظ على وحدة الموقف الفلسطيني، وتعزيز التحركات العربية والدولية، سيكونان العامل الحاسم في إفشال هذه، المخططات ومنع فرض واقع جديد يُكرّس الاحتلال والتهجير كأمر واقع.