د. أحمد محمد القزعل
في عالم متغير وسريع الخطى، تتزايد أهمية صناعة الهوية الذاتية باعتبارها عنصراً أساسياً في تشكيل كينونة الفرد وتوجيه مسار حياته، فالهوية الذاتية ليست مجرد انعكاس للذات، بل هي نتاج عملية ديناميكية مستمرة تتأثر بالعوامل الثقافية والاجتماعية والنفسية، ومع تزايد التحديات التقنية والعولمة يزداد الضغط على الأفراد لتطوير هوية قادرة على التكيف مع المتغيرات.
ويشير مفهوم الهوية الذاتية إلى التصور الذي يحمله الفرد عن نفسه بما يشمل قيمه ومعتقداته وخصائصه الشخصية التي تميزه عن الآخرين، وهي البنية الداخلية التي تساعد الفرد على فهم مكانته في العالم وتوجه قراراته وأفعاله.
ومن أهم عناصر الهوية الذاتية القيم والمبادئ حيث تشكل القيم الأخلاقية والفلسفية نواة الهوية الذاتية، والأهداف والطموحات التي تحدد الأهداف الشخصية مسار النمو والتطور، والتصور الذاتي الذي يشمل الصورة الذهنية التي يحملها الفرد عن قدراته ومزاياه وعيوبه، كما أن التجارب الحياتية تسهم في تشكيل جوانب متعددة من الهوية الذاتية، وترتبط الهوية الذاتية بالثقافات والجماعات التي ينتمي إليها الفرد.
ومن أهم مقومات بناء الهوية الذاتية: القدرة في التعرف على المشاعر والأفكار الشخصية وفهم تأثيرها في السلوك مما يسهم في تعزيز القدرة على اتخاذ قرارات تتوافق مع القيم الشخصية، كما أن التفكير النقدي يساعد على تحديد المعتقدات غير الصحيحة وإعادة بناء المفاهيم، ولابد من توفر الاستقلالية التي تعني القدرة على اتخاذ القرارات بناءً على قناعة ذاتية دون الاعتماد على الآخرين.
وحتى تستطيع الهوية الذاتية مواكبة تحديات العصر لابد من القدرة على استخدام التكنولوجيا بفعالية دون فقدان الارتباط بالقيم الأساسية، كما تؤثر العولمة في الهوية الذاتية من خلال تعرض الأفراد لثقافات متنوعة، وتحتاج الهوية المتماسكة إلى التوازن بين الحفاظ على الجذور الثقافية والانفتاح على العالم، مع بناء استراتيجيات لتعزيز الهوية الذاتية في العصر الحديث مما يتطلب القدرة على استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بذكاء ووعي للحد من التأثيرات السلبية، وتطوير الذكاء العاطفي من خلال القدرة على التعامل مع المشاعر الشخصية ومشاعر الآخرين بفعالية، وضرورة التواصل مع الجماعات والمنظمات التي تتوافق مع القيم الشخصية مما يعزز الهوية والانتماء ويخلق دعماً اجتماعياً.
حقيقة تعد صناعة الهوية الذاتية عملية معقدة ومتعددة الأبعاد تتطلب توازناً بين الاستقلالية والانفتاح على العالم، وفي ظل التغيرات السريعة يصبح التمسك بهوية قوية ومرنة أمراً حيوياً لمواكبة تحديات العصر، ومن خلال الوعي والتفكير النقدي والمرونة يمكن للأفراد تطوير الهوية التي تسهم في تحقيق الذات وتفعيل المشاركة الإيجابية في المجتمع.