د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يعتلي أول رئيس أمريكي ترمب منصة مبادرة الاستثمار السعودية التي أقيمت في ميامي في نسختها الثالثة تحت شعار الاستثمار الموجه بهدف، تحدث ترمب عن قوة الاقتصاد الأمريكي منذ تسلمه السلطة، والإنتاج الصناعي يشهد طفرة كبيرة، بعدما وضع أميركا أولا، خصوصا بعدما شهدت الأسواق ارتفاعا غير مسبوق، فمنذ 5 نوفمبر 2024 ارتفع مؤشر ناسداك بنحو 10 في المائة في غضون بضعة أشهر فقط، وهو ارتفاع كبير يعكس ثقة الأسواق، كما ارتفع متوسط داو جونز الصناعي بمقدار 2200 نقطة، وسجلت عملة البتكوين مستويات قياسية غير مسبوقة.
يود ترمب جعل أميركا عاصمة العملات المشفرة، وأصبحت ميامي مركزا رئيسيا لهذا المجال المتنامي، يهدف ترمب استعادة التوازن الاقتصادي للجم التضخم الحاد بسبب زيادة الانفاق المفرط وعدم كفاءة الإدارة أديا إلى تدهور الأوضاع المالية، تود إدارته خفض الإنفاق الحكومي والاستفادة من عائدات الرسوم الجمركية لتحقيق التوازن المالي، وقطاع الذكاء الاصطناعي وحده يحتاج إلى ضعف كمية الكهرباء المستهلكة حاليا في الولايات المتحدة، ما يعني أن الولايات المتحدة مطالبة بتسريع إنشاء محطات طاقة جديدة وهي فرصة متاحة وبشكل خاص أمام السعودية التي تمتلك مصفاة بورت آرثر في تكساس التي تعتبر جوهرة التاج بالنسبة لصناعة النفط الأمريكية كون طاقتها الاستيعابية تصل إلى 600 ألف برميل يوميا، هي الأكبر في الولايات المتحدة، وتسمح للسعودية بالحصول على موقع استراتيجي يسمح لها بنقل نفطها الخام إليها وتصفيته ومن ثم بيعه في أسواق أمريكا، خصوصا وأن التعاون الاقتصادي والاستثمارات السعودية في أمريكا جعل السعودية الحليف الأبرز في السياسة الأمريكية.
ضخت السعودية أكثر من 750 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، أي نحو 40 في المائة من الأموال السعودية المستثمرة عالميا يتم توظيفها في الولايات المتحدة، ويمكن أن تكون أكثر لولا القيود الأمريكية بحسب الرميان المسؤول عن الصندوق السيادي السعودي، خصوصا وأن السعودية تود أن تكون لاعبا مؤثرا في قطاع الذكاء الاصطناعي وهو ما يعزز التعاون المشترك ويجعل الولايات المتحدة الوجهة الاستثمارية الأولى للسعودية، كذلك تمثل الاستثمارات الأمريكية داخل السعودية 25 في المائة من إجمالي 2790.7 مليار ريال بنهاية الربع الثالث 2024، وبنسبة ارتفاع قدرها 19 في المائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2023، مرتفعة من 1767.4 مليار دولار في الربع الأول عام 2021، أصبح عدد المستثمرين الأجانب في السعودية 40 ألفا بعدما كان 7 آلاف فقط قبل الرؤية، بعدما تضاعفت ثقة المجتمع الدولي في الاقتصاد السعودي، وستصبح السعودية مركزا عالميا في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، في ظل أنباء عن تحالف الرقائق سعي إدارة ترمب لتشديد القيود على وصول الصين إلى الرقائق وذلك عبر اتفاقات بين حلفاء دوليين آخرين من بينهم اليابان وهولندا للحد من فرص التفوق التكنولوجي لبكين، بينما تبحث السعودية عن فرص للوصول إلى الرقائق الإلكترونية الأمريكية، ويمكن أن تصبح ميامي بوابة للاستثمارات السعودية، ليس فقط في الولايات المتحدة بل أيضا في الأسواق الأوسع في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، ولم تعد ميامي بوابة استثمار فقط بل أصبحت نقطة جذب للعقول العظيمة والمستثمرين من جميع أنحاء العالم.
حيث تركز النسخة الثالثة على إعادة تعريف دور رأس المال بمواجهة التحديات العالمية الكبرى، مع التركيز على استراتيجيات التمويل المبتكرة والتعاون بين القطاعين العام والخاص، والتقنيات الناشئة القادة على تعزيز مرونة الاقتصاد واستدامته، وهو ما يجعل الدول العربية التي اعتادت على ضخ استثمارات سعودية وخليجية من دون قيود في الماضي وأنها حاليا لا يمكن ضخ استثمارات بشكل مباشر ومجاني فقط من أجل إقامة علاقات بين الدول، بل لابد أن يكون هناك هدف استثماري يحقق تبادل المنافع بين جميع الأطراف.
فكما خفضت أمريكا الضرائب على الشركات من 21 في المائة إلى 15 في المائة بشرط تصنيع داخل الولايات المتحدة، كذلك في السعودية يتم احتساب الضرائب وفقا لقيمة 20 في المائة، ولكن هناك بعض القطاعات المختلفة التي قد تحصل على إعفاءات أيضا بناء على المزايا التي تمنحها الدولة لها أو المناطق الاقتصادية الخاصة، وطالبت السفيرة السعودية في أمريكا الأميرة ريما بنت بندر الاستثمار بهدف ليس مجرد رؤية بل هو دعوة إلى العمل مع الاعتراف بالإمكانيات التحويلية للشباب في تشكيل مستقبلنا.
يقدر عدد المكاتب العائلية في أمريكا الشمالية بنحو 3180 مكتبا من إجمالي ثمانية آلاف عبر العالم بحسب أرقام شركة ديلويت لعام 2024 وتدير هذه المكاتب 3.1 تريليون دولار من الأصول، ومن المتوقع أن يرتفع بنسبة 73 في المائة إلى 5.4 تريليون دولار بنهاية العقد الجاري، وكشفت الرئيسة التنفيذية لشركة فرنكلين تمبلتون التي تدير 1.6 تريليون من الأصول العالمية أن السعودية سوق واعدة تعمل على جذب الاستثمارات العالمية، وهي من أوائل مديري الصناديق العالمية التي أطلقت صندوقا للمؤشرات المتداولة في البورصة السعودية عام 2018 للمستثمرين الأمريكيين عقب إدراج السعودية في المؤشرات العالمية، وأطلقت الشركة في 2024 صندوق فرنكلين للسندات السعودية، مما يوفر فرصا جديدة للمستثمرين الدوليين للاستفادة من النمو السريع في السوق السعودية.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا