د. طارق بن محمد بن حزام
في عالمٍ يحترم النظام والترتيب قد يبدو الحديث عن الفوضى بوصفها منبعاً للإبداع أمرًا غير مألوف، وتُعدّ الفوضى غالبًا عائقًا أمام الإنتاجية والتركيز، ولكن بنظرةً أعمق نكتشف أنها ليست، مجرّد حالة من عدم التنظيم بل بيئة لتحفيز العقل على الابتكار ورؤية الأمور من وزوايا جديدة وغير تقليدية.
فقد تعزّز البيئة المشوشة والفوضوية الإبداع والابتكار وتساعد على تنمية القدرة على التكيّف والاستجابة السريعة للتغيّرات والمفاجئة، ويشعر بعض الأفراد بالحماس والتحفيز عندما تتعدّد الأحداث والتحدّيات في حياتهم إذ توفّر البيئة الفوضوية أحياناً فرصًا للتجربة والتعلّم واكتشاف القدرات والمواهب.
إذا كيف يمكننا تحويل الفوضى إلى قوةٍ إيجابية تفتح لنا آفاقًا جديدة بدلًا من أن تُغرقنا في العشوائية، والسؤال الحقيقي: كيف يحدث الإبداع وسط الفوضى؟ كدافع للتفكير الجديد فعندما نُجبر على الخروج من منطقة الراحة بسبب الفوضى، نبدأ في رؤية الأمور من زوايا جديدة. في بعض الأحيان، تحفّزنا الفوضى على البحث عن حلولٍ غير مألوفة، مما يفتح الباب أمام الإبداع.
والفوضى تُجبرنا على التخلّي عن الأنماط القديمة التي لم تعد تعمل، وفي كثيرٍمن الأحيان تكون هذه الأنماط هي ما يمنعنا من التفكير بطرقٍ مبتكرة.
وفي عالم الفوضى الفشل ليس عدوًا بل أداة تعليمية، كل تجربةٍ غير ناجحة تُضيف إلى معرفتنا وتُقرّبنا من الحلول.
وعادة ما تكون الفوضى كمصدرٍ للإلهام، فمثلاً:
- الشركات الناشئة وثقافة التغيير: بعض الشركات العالمية اليوم وُلدت من رحم الفوضى.هذه الشركات لم تنجح لأنها تجنّبت الفوضى، بل لأنها تعلّمت كيف تستخدمها كوسيلةً للنمو.
- الفنون، والتعبير عن الفوضى: استخدم الفنانون عبر التاريخ الفوضى موضوعًا أو مصدر إلهام. اللوحات السريالية والأعمال الأدبية التي تتناول العبثية هي أمثلة على ذلك.
وللتعامل مع الفوضى بشكلٍ إيجابي علينا العمل على:
1 - إعادة صياغة الفوضى.
بدلًا من النظر إلى الفوضى كتهديد يمكننا أن نراها فرصةً للتغيير والنمو.
يبدأ التغيير من تغيير طريقة التفكير.
2 - التركيز على المرونة.
التأقلم مع الفوضى يتطلّب مرونةً عقلية وعاطفية. كلما تعلّمنا التكيّف السريع مع التغيّرات، زادت قدرتنا في استخراج الفرص من قلب الفوضى.
3 - بناء أنظمةٍ صغيرة وسط الفوضى.
حتى في الفوضى، يمكننا أن نوجد جزرًا من النظام؛ كتنظيم المهام، وترتيب الأولويات، وأخذ لحظات للتفكير الهادئ يساعدنا على الإبحار وسط العاصفة.
4 - الفوضى كدعوةٍ لإعادة النظر في الحياة.
قد تبدو الفوضى مزعجةً أو مدمّرة، لكنها في الواقع تُجبرنا على التوقّف، وإعادة التقييم، والبحث عن طرقٍ أفضل للعيش والإبداع، إذا قبلناها جزءًا من الرحلة بدلًا من مقاومتها سنكتشف أنّ الفوضى ليست نهاية الطريق، بل، نقطة انطلاق نحو آفاقٍ جديدة.