م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - أن تعيش سلاماً داخلياً يعني أنك لا تعاني من أي صراع، وليس لديك عداوة مع أحد، وأن حالتك النفسية مستقرة، حيث لا تأنيب للضمير ولا شعور بالخوف ولا الغضب.. تشعر بالطمأنينة والهدوء والسكون والراحة المشبعة بالقناعة، مع شعور بالحرية المنطلقة غير المحدودة.. أفكارك وتصرفاتك وسلوكياتك ومشاعرك منضبطة متماسكة متناغمة يقودها الحب، وداخلك يملؤه الضياء الذي يهيمن على مشاعرك فتكون حالة السلام التي تعيشها هوية شخصية ومعتقداً وفلسفة روحية لا تتنازل عنها ولا يستطيع أحد أن ينازعك عليها، فتصبح حياتك سلسة عفوية يتجاوز تأثيرها ذاتك إلى التأثير في الآخرين.
2 - السلام هو المقابل للصراع والقتال والصدام والمقاومة والإجبار والإلزام والترهيب والتخويف وبقية المفردات التي تُفْرض على الإنسان للقبول بشيء أو التخلي عن شيء.. السلام مفردة لا ينافسها في المعنى والقيمة إلا مفردة الحب، وهما وإن كانا وصفين لمعنيين مختلفين لكنهما يتفقان في الغاية؛ فالحب يؤدي إلى السلام والسلام يؤدي إلى الحب، فالرابط بينهما عضوي لا يمكن فصله، بل إن فصل أحدهما قَتْلٌ للآخر.. الذي يعيش السلام الداخلي يصبح محصناً ضد الصدمات والصراعات، ولا يمكن أن يسقط ضحية لمشاعر الإنسان السلبية.
3 - الذي يعيش السلام الداخلي لا يقع تحت تأثير أي فعل أو سلوك أو مشاعر أو أحداث أو قضايا أو أفراد أو أي شيء آخر لأنه لبس درعاً واقياً، والعظيم في هذا الدرع أنه كلما زاد استخدامه والاستفادة منه كلما زادت مناعته وقوته.. للسلام الداخلي تأثير عجيب على أعضاء البدن وصحته، فتجعل عضلاته قوية، وعظامه صلبة، وعقليته ناضجة، وعواطفه مستقرة، ومهما حصل لذلك الجسد من اضطرابات أو أمراض فلا يسقط أو ينهار، فالروح مهما تماهت مع الجسد إلا أن السلام الداخلي يحمي الروح والجسد معاً من الانهيار.. السلام الداخلي قوة عظيمة، لا يمكن تخويف من يملكها ولا التحكم أو التلاعب به أو برمجته، فالإنسان بهذه القوة العظيمة أصبح محصناً ضد كل التهديدات، وتصبح مصاعب الحياة ومعاناة الناس العادية غير ذات أثر أو معنى.
4 - الذين يملكون السلام الداخلي يحبهم الناس ويطمئنون إليهم، بل ويتبركون بهم.. والمجتمعات عبر الأزمان والأمكنة ترفع من قدرهم، فمنهم من يمنحهم صفة القداسة فيدعوهم بالقديسين، ومنهم من يحترم حكمتهم فيصفهم بالحكماء أو المعلمين، ومنهم من يرون ضوءهم الداخلي فيسمونهم التنويريين.. هؤلاء حضورهم ذو أثر فعّال على المحيط، وتأثيرهم في الجموع تأثير روحاني، من هنا أتت مسميات القديس والحكيم والمعلم والأب الروحي، فيقصدهم الناس ويسافرون إليهم لطلب نصحهم والتزوّد من الطاقة التي يشيعونها حولهم، لهذا نرى هؤلاء الاتباع يقضون عمرهم حول ذلك الشخص يستمدون من طاقته وبركته، وهذا كل ما يريدونه في الحياة.
5 - انتقال طاقة السلام الداخلي إلى المحيطين حالة غير منطقية ولا تخضع لأي تفسير أو تحليل عقلي بحت، فهؤلاء الأتباع يرون أن طاقتهم تتحد مع طاقة المعلم أو القديس، وهذا بدوره يؤثِّر على وظائف التفكير لديهم ويحرك أدمغتهم في اتجاهات يراها المعلم حتى ولو لم ينطقها على شكل تعليمات أو توجيهات، كل ذلك عبر الانتقال الصامت إلى التابعين لهم من تلامذة ومريدين، أو مصدرها هو التخلي عن كل رغبة والاستغراق في النظر إلى داخل النفس وتطهيرها مما قد يشوبها من دنس الدنيا، والسمو بالروح والوصول بها إلى درجة الوعي الكامل بالحياة، والتماهي معها بالحب ولا شيء غير الحب، كما يرى المتصوفة.