د. علي القحيص
محمد عبده فنان كبير متميز، بدأ من مدينة صبيا جنوب السعودية وشق طريقة بسرعة حتى أصبح «فنان العرب» بامتياز، لقوة صوته وغزارة إنتاجه وعذوبة طربه وروعة ألحانه.
نتمنى لو أن المطرب محمد عبده اعتزل عن الفن بعد أغنية (الأماكن) الشهيرة ليختمها بالاعتزال بلا رجعة، الأغنية الشهيرة التي توجت نجوميته وهي أفضل أغانيه قبل ما شهدته مسيرته من التراجع الواضح، وبعدها أخذ محمد عبده ينخفض مستواه الفني، ليؤدي أي نص حتى لو لم يكن من لونه وفي مستواه الفني وطبقة صوته، فضلا عن تكرار أغانيه القديمة باستمرار وتكرار ممل، وكثير من الرتابة، إضافة إلى الحركات أثناء الغناء التي لم يتعود عليها جمهوره من قبل ولا تصلح لعمره وتاريخه، حيث عرف بالهيبة والرزانة والانضباط على المسرح، لكن يبدو أن سنوات العمر تمضي به سريعا دون أن يقدر ذلك وأثقلته السنين، وأرهقه المرض حسب تصريحه عندما كان يتحدث مع الأمير بدر بن عبدالمحسن، قبل رحيله رحمه الله.
شعرت بالكثير من الحزن على محمد عبده وتألمت عليه في أكثر من مرة وموقف ومناسبة، سواء بتلعثمه وعدم تركيزه في التصريحات والمقابلات الصحفية التي لا تنسجم مع اسمه الكبير ولا تتناسب مع مسيرته الفنية الرائدة. ولوحظ أن وقوفه على المسرح يرافقه حركات لم نتعود عليها من قبل، حيث يبدو مرهقاً ومتعباً جداً، ويريد أن يظهر لجمهوره أنه ما زال في كامل قواه وحيويته ونشاطه وألقه السابق.
أتمنى أن «أبو نورة» يعتزل ويترك الغناء نهائياً حفاظاً على صحته واحتراماً لجمهوره ومحبيه وتاريخه الفني الطويل الذي حققه، بعد هذا المشوار الفني من العطاء، وليأخذ معه (أبو عبدالرحمن) الذي تلبس محمد عبده بعد «الأماكن» تماما، ويترك لنا (أبو نورة) الذي عشقناه وعرفناه وأعجبنا فيه وصفقنا له في (الأماكن) ومثيلاتها.
عشاق محمد عبده استغربوا من مطربهم المفضل على المسرح، وهو يفتش عن (النوتة الموسيقية) أو نص الأغنية التي أمامه على الورق ولم يعثر عليها وبان عليه الارتباك والتشتت، ولم تسعفه الذاكرة في تلك اللحظة، مما دفع أحد الموسيقيين لإنقاذ الموقف بذكاء وفطنة، في مواصلة العزف على العود وأدى تقسيمات فنية متقطعة رائعة رغم أنه لا يعلم ما الذي ينوي تقديمه المطرب، وليرفع عنه الحرج أكثر مما أخرج محبيه في حفل مهرجان فبراير بالكويت.
أرجوك يا «أبا عبدالرحمن» اشفق على محبيك وارحم عشاقك الذين يتأسفون على مواقفك المحرجة الأخيرة، التي لا تليق بقيمة فنية كبيرة بحجم محمد عبده، عندما كان مبدعا متألقا ونجما كبيرا لا يجارى، لا نريد لك أن تهوي وتخبو وتتعثر بسبب الإرهاق والأرق والتقدم بالسن والتعب الذي أثقلك بوضوح.
اترك الغناء خلف ظهرك، لأننا حريصون على أسمك الكبير وسيرتك الفنية الطويلة المطرزة بالإبداع والمتوجه بالنجاح المستمر والتألق الماضي الذي أعطى الأغنية السعودية هوية فنية راسخة، فلا تنتظر حتى تكبو أرضا بعد هذا الجموح الساطع المدهش قبل عدة أعوام خلت كنت نجمها كبيراً يتلألأ، أرجوك لا تفقد هذه الحصيلة!
ولنحتفظ بمشوارك الفني الطويل واسمك الكبير وإرثك العظيم.. رجاءً!