علي حسن حسون
سادت حالة من الاستياء والامتعاض بين جماهير كرة القدم في المملكة بسبب الارتفاع غير المبرر في أسعار تذاكر المباريات في دوري روشن السعودي خلال الفترة الأخيرة، حيث شهدت بعض المباريات زيادات تصل إلى 60 % مقارنة بالفترات السابقة. هذا الارتفاع أثار العديد من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذه القفزات السعرية، ومدى انعكاسها على تجربة المشجع داخل الملاعب، خاصة أن الجماهير تُعدّ روح كرة القدم، والحضور الجماهيري هو ما يضفي الحماس على المباريات ويعزِّز من قيمة الدوري.
لا شك أن تسعير التذاكر وفقًا لمبدأ العرض والطلب هو قاعدة اقتصادية مقبولة في مختلف القطاعات، لكن ذلك لا يعني أن تصل الأسعار إلى مستويات خيالية تجعل حضور المباريات مقتصرًا على فئة معينة من الجماهير، إن كرة القدم لطالما كانت لعبة الشعب، ومن غير المنطقي أن تصبح أسعار التذاكر عائقًا يحرم الكثيرين من الاستمتاع بالمباريات في الملاعب، خاصة أن بعض المشجعين يحرصون على حضور أكثر من مباراة في الشهر، مما يجعل التكلفة الإجمالية عبئًا كبيرًا على عشاق الأندية.
نثمَّن جهود رابطة الدوري السعودي للمحترفين في تنظيم سوق التذاكر وتحسين تجربة المشجع، إلا أن هناك حاجة ملحة لمراجعة آلية التسعير لضمان التوازن بين السعر المدفوع والخدمات المقدمة في الملاعب. فمع الأسف، كثير من الجماهير ترى أن الأسعار الحالية لا تعكس مستوى الراحة والجودة في بعض المباريات، مما يدفع البعض إلى تفضيل متابعة المباريات عبر الشاشات بدلاً من الذهاب إلى الملعب.
إن استمرار هذه المغالاة في أسعار التذاكر قد يؤدي إلى عزوف الجماهير عن حضور المباريات، وهو ما قد ينعكس سلبًا على مستوى الحماس في المدرجات، ويؤثِّر على اللاعبين الذين يعتمدون على دعم الجماهير لتحقيق أفضل أداء ممكن كما أن انخفاض الحضور الجماهيري قد يؤثِّر على إيرادات الأندية على المدى الطويل، حيث تعتمد بعض الأندية على مبيعات التذاكر كمصدر رئيسي للدخل، وقد تجد نفسها مضطرة إلى خفض الأسعار لاحقًا بعد فقدان عدد كبير من المشجعين.
علاوة على ذلك، فإن ارتفاع أسعار التذاكر يمنح منصات البث الرقمي ميزة إضافية، حيث يجد كثير من المشجعين أن مشاهدة المباراة من المنزل أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية مقارنة بشراء تذاكر بأسعار مبالغ فيها دون الحصول على خدمات مميزة في المقابل.
لا يمكن إنكار أن هناك جهودًا مبذولة لتطوير بيئة الملاعب وتحسين تجربة الجماهير، لكن هذه الجهود يجب أن تترافق مع سياسات تسعيرية عادلة تضمن حضور أكبر عدد ممكن من المشجعين. ومن الحلول الممكنة إطلاق برامج ولاء للجماهير بحيث يحصل المشجعون المنتظمون على خصومات خاصة أو مزايا إضافية عند حضور عدد معين من المباريات، وتوفير حزم تذاكر موسمية بأسعار مناسبة تتيح للجماهير حضور المباريات دون الحاجة إلى دفع مبالغ مرتفعة في كل مرة، وتقديم خيارات متنوعة للتذاكر بحيث تكون هناك فئات مختلفة تناسب مختلف الميزانيات، بدلاً من فرض أسعار موحدة مرتفعة، وتحسين الخدمات داخل الملاعب بحيث يشعر المشجع أن ما يدفعه ينعكس على تجربة حضور المباراة، سواء من حيث المرافق أو التنظيم أو العروض الترفيهية المصاحبة.
إن التفاوت الكبير في أسعار تذاكر المباريات يستدعي تدخل الجهات المعنية لوضع سقف سعري يراعي الفئات المختلفة من الجماهير، بحيث يتم تحديد أسعار عادلة لكل فئة من فئات المقاعد، مع توفير خيارات متميزة لفئات كبار الشخصيات والراغبين في خدمات إضافية. لا بد أن يظل حضور المباريات في متناول الجميع، وأن لا تتحول كرة القدم إلى لعبة للأثرياء فقط، لأن الجمهور هو العنصر الأهم في نجاح أي دوري وأي نادٍ.
على الجهات المسؤولة أن تتعامل مع هذا الملف بجدية، وأن تستمع إلى صوت الجماهير التي تعتبر شريكًا أساسيًا في منظومة كرة القدم، فنجاح الدوري لا يعتمد على جودة اللاعبين والمدربين فقط، بل أيضًا على الأجواء التي تصنعها الجماهير في المدرجات، وهذا لا يتحقق إلا بسياسات عادلة تضمن للجميع فرصة الاستمتاع بالمباريات دون أعباء مالية تثقل كاهلهم.