د.حادي العنزي
رمضان كريم لكل المشاركين في التنقل بين طرقات وشوارع الرياض الحبيبة، ومباركة خاصة لزهرة الطريق، حواء الغالية، التي أضافت منذ سنوات لمسة من الجمال والهدوء إلى المشهد المزدحم بقرارها الحكيم أن تكون شريكة للرجل في كل الميادين، حتى وهي تجوب الطرقات.
لقد أطلّ علينا الشهر الفضيل، محمّلًا بالبركات والرّحمات، وكما اعتدنا خلال السنوات الست الماضية، تستمر حواء في إثبات قدراتها خلف عجلة القيادة، بسيارات معظمها أنيقة ذات ألوان زاهية وأحجام عائلية صغيرة، تُضفي رونقًا وجمالًا على شوارع الرياض.
تميّزت حواء في بداياتها بالهدوء والالتزام بقواعد السير، من استخدام الإشارات عند كل انعطاف، إلى القيادة في المسار الأيمن بكل انضباط. ومع مرور الوقت، أصبحت أكثر جرأة وثقة في القيادة، وهذا يعكس تطور تجربتها وخبرتها. ومع ذلك، يبقى التذكير دائمًا أن القيادة ليست مجرد مهارة، بل هي فن وذوق وأخلاق، وهي القيم التي تميزت بها العزيزة حواء منذ البداية.
كنا متفائلين بانضمامها إلينا ومعنا على طريقٍ واحد، وأنها ستحدث فرقًا إيجابيًا في تغيير سلوكيات بعضنا من خلال فنها وأناقتها في القيادة، وأن ذلك سيؤثر على المتهورين ويجعلهم يقتدون باحترافية قيادتها واحترامها للأنظمة وقوانين المرور.
حواء الآن مشارك رئيس في التنمية، ولها رسالة على الطريق. هي مطالبة بأن تكون عضوًا فاعلًا ومشاركًا في ضبط إيقاع السير على الشوارع والطرقات، والمساهمة في تقليل الحوادث المرورية، ومساندة زملائها قائدي المركبات في تخفيف الازدحام المروري الذي أصبح يتنامى في مدينة الرياض. وقد زادت وتيرته في الأيام الأولى مع دخول شهر رمضان المبارك، مما أدى إلى ظهور توترات وسلوكيات من بعض الأفراد لا تعكس المعايير الحضارية التي نأمل بها.
ورغم أن هذه التصرفات لا تصل إلى حد الظاهرة السلبية، إلا أنها تبقى مخالفات تستدعي من الجهات المعنية توفير التوعية اللازمة، خصوصًا للقيادة الجديدة، وحثّهم على استشعار مسؤولية القيادة وروحانية الشهر الفضيل.
وفي هذا السياق، لا بد من تعزيز الوعي الجماعي بأهمية الالتزام بقواعد المرور، وتحفيز الجميع على التحلّي بالسلوكيات الإيجابية التي تعكس قيمنا المجتمعية. يجب على حواء أن تعي أهمية عدم الدخول في سلوكيات المتهورين من إخوانها أبناء آدم.
عزيزتي حواء، نحن نعيش أيام رمضان، شهر التروي والسكينة؛ اجعلي رحلتك في الشوارع روحانية تتميز بالانضباط ومراعاة الآخرين حولك. لا تستعجلي في طريقك، فالكون كله يدعوكِ للتأمل والهدوء.
عندما تجدين نفسكِ في زحمة ما قبل الإفطار، وقد بدأت السيارات تتحرك ببطء كأنها متوقفة، لا تفقدي أعصابك، وتذكري أن كل سائق أمامك هو صائم مثلك، ويبحث عن طريقة تُخرجه من الازدحام. في تلك اللحظات، حين تصل عقارب الساعة إلى الخامسة والنصف مساءً، ستجدين سائقًا يستخدم منبه السيارة بلا هوادة، وآخر ينظر إلى ساعته وكأنها ستختصر له الوقت، وثالث مستعجل يحاول تجاوز الجميع وكأنه في سباق عالمي مع الزمن!
وسط هذا المشهد الرمضاني المتكرر، تتجلى الفروق الإنسانية وتظهر الأخلاق الحقيقية. فالبعض يستسلم لضعف النفس، والآخر يضبط نفسه، ويستمتع بوقته، حتى لو كان ضده.
إذا شعرتِ بالتوتر في مثل هذه المواقف، تذكري أن دعاء الصائم مستجاب. استغلي اللحظة وادعي أن يكون وصولكِ للمنزل بسلام. احرصي على استخدام إشارة الانعطاف كـ»سلام رمضاني» ترسلينه للسائقين معك على الطريق، وقدمي أسلوبًا حضاريًا لكل من حولك، فحسن الخلق يعكس ذاتك، وهو صدقة مضاعفة في هذا الشهر الفضيل. أجعلي كل دقيقة في الزحمة فرصة للاستغفار والتأمل والتخطيط. حوّلي سيارتك إلى «غرفة تفكير متحركة» تعيد إليك الراحة والطمأنينة.
عندما تقفين عند الإشارة الحمراء، تجدين الجميع يتهيئون للانطلاق، وربما يستعجل بعضهم قبل أن يضيء اللون الأخضر، وكأنهم يتسابقون، لا تجاريهم في هذه الفوضى. وتذكري أن الصيام يعلمنا الانضباط، حتى مع الإشارات الحمراء!
على الطريق، وبمثل الطريقة، ستجدين دائمًا السائق الذي تجاوزك بسرعة صاروخية، عالقًا في الزحمة بعد 100 متر.
إذا وصلتِ إلى «السوبرماركت» قبل الإفطار بدقائق، فلن تجدي موقفًا، ولن تستطيعي ركن سيارتك في تلك اللحظات. لقد تعلمنا أن البحث عن الموقف المناسب عند ساعة الصفر يكون أشبه بمحاولة إيجاد «لقمة القاضي» في منتصف النهار.
رمضان شهر التغيير، ليس فقط في عاداتنا الغذائية، بل أيضًا في سلوكياتنا اليومية، والقيادة في هذا الشهر يمكن أن تكون فرصة لمراجعة أسلوبنا خلف المقود. هل نسرع دون داع، وهل نغضب بسبب الزحمة، أم نتحلى بالصبر ونعامل الآخرين بمثالية ولطف؟
تذكري أن كل سائق على الطريق إنسان مثلكِ، لديه أمور تشغله، وربما يكون في عجلة من أمره لأسباب لا نعرفها. لذلك، دعينا نتعامل مع الجميع بتسامح، ونحوّل الطريق إلى مساحة للتعاون بدلًا من التنافس.
قبل أن تخرجي من المنزل، خططي لرحلتك. اعرفي المسار المناسب لطريقك، واستخدمي تطبيقات الجوال لتجنب المناطق المزدحمة، وتحققي من حالة الطريق. إذا كنتِ تعلمين أنكِ ستواجهين زحمة، استمعي إلى البودكاست، وانتقي ما يناسبك من برامجه، فهو إذاعة متنقلة تغنيك عن راديوهات الــ(FM) الساخطة وموضوعاتها المكررة.
إذا كنتِ تقودين بعائلتكِ أو أطفالكِ، استغلي لحظات الازدحام وأخطاء المخالفين بتقديم دروس في الصبر والهدوء. علميهم أن الطريق ليس مكانًا للعجلة، بل فرصة للاستمتاع بالرحلة. خففوا توتركم بالأحاديث الدافئة ذات المعاني السامية.
عزيزتي حواء، القيادة لا تعني «من سبق لبق» كما يقول العامة، وهي ليست مجرد رحلة وقيادة سيارة، بل انعكاس لأخلاقنا وصبرنا، هي فرصة لإظهار أجمل ما فيكِ من صبر وحكمة.
كوني نموذجًا للهدوء والرقي، فأنتِ قائدة في كل مجالات الحياة. كل خطوة تخطينها على الطريق هي مساهمة في بناء مجتمع أفضل، فأنتِ قدوة لكل من حولك، من طفل في السيارة المجاورة إلى سائق غاضب يبحث عن الشفقة ويسعى لمن يفسح له المجال، ليمضي في طريقه.
تذكري يا زهرة الطريق أن من حولك جزء منك، وأن كل لحظة تقضينها في القيادة هي مدرسة تعلمك الصبر وحسن الخلق، وفرصة مميزة للتعلم والتأمل.