خالد بن عبدالرحمن الذييب
هناك علاقة بدت متأخرة بين جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي، اعتقد الرومي قبلها أن حياته مفعمة بالنشاط كداعية له جماهير وأتباع إلى أن أتى التبريزي وصادفه في اللقاء الشهير بينهما في مدينة قونية وغيّر مفهومه للحياة.
أحياناً نعيش حياة «نعتقد» أنها هانئة إلى أن يأتي شخص واحد يقلب حياتنا رأساً على عقب بأفكاره، ونكتشف أن حياتنا قبله لم تكن سوى ساعات بعضها فوق بعض تجمعت فكونت أياماً متلاحقة بلا معنى ولا هدف، لحظة واحدة تغيّرنا كما فعلت نفس اللحظة مع جلال الدين الرومي. هذه اللحظة كان من الممكن ألا تأتي لو لم تسبقها لحظة أخرى تضعك في مواجهة هذه اللحظة، فالحياة عبارة عن لحظات تتلاحق من أجل لحظة واحدة. لحظة تعيد بوصلة تفكيرك ونظرتك للحياة، ولحظة أخرى تنقض كل ما تفكر فيه، ولحظة أشد إيلاماً إذ تعود بك إلى توازن خداع فتسقط واقفاً، أو ربما تقف ساقطاً. هل نكون حينها ضعفاء الشخصية إذ نسلّم عقولنا للقادم الجديد، أم أن الأمر لا يعدو كونه توارد خواطر بين طرفين أو ربما خضوع خواطر، أم مجرد كلمات تسحر الأذن وتضرب شيئاً داخلنا، تهزه هزاً عنيفاً حتى لا ندري أين نحن وأين كنا، وأين سنكون؟ لحظة تهز الوجدان، وتزلزل الأبدان، وتخر لها الجبابرة ساجدينا.
هي ليست حالة سلبية، ولكنها بالتأكيد ليست حالة إيجابية أيضاً، فما معنى أن تتغير حياتك من أجل شخص إلا إن كان هناك خلل ما في حياتك، أو كان هذا الشخص مجنوناً يجنّن من معه مثل شمس تبريز!
نفر الرومي في البداية، ولكنه خضع فكرياً في النهاية لسلطان كلمات شمس، الذي فجّر موهبة الرومي الشعرية التي كانت مختبئة في مكان ما داخل أعماق قلبه، وكأنها في خندق ماريانا لا يعلم عنها حتى صاحبها، وفجأة، تنفجر مثل البركان، وتبرق مثل الرعد، فالحدث جاء «متأخراً»، إذن المشكلة ليست في وقت الموهبة ولكن في توقيت الحدث!
عجيبة هي العلاقة التي كانت بين جلال وشمس، فهي لم تكن علاقة معرفة أو صداقة عادية، أو حب في الله، إنه عشق عجيب لأفكار بعضهما البعض، أو ربما كان عشقاً من طرف واحد، فجلال هو الذي تأثر بجنون شمس وشخصيته العجبية، يقال إن شمساً بجنونه خطط لهذا اللقاء، ويقال إن اللقاء كان صدفة!.
أخيراً ...
أقوى الكلمات تلك التي تهز الفكر، فالعاطفة ضعيفة يهزها أي شيء، ولكن الفكر إذا اهتز، اهتز الجسد كله.
ما بعد أخيراً ...
هناك صدفة خير من ألف ميعاد، وهناك ميعاد أغرب من ألف صدفة.