د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
في عصرٍ تتسارع فيه الأخبار وتنتشر بسرعة هائلة، يواجه العالم تحديًا متزايدًا يتمثل في المعلومات المضللة، التي أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية دون أن ندرك مدى خطورتها. سواء كانت شائعة حول لقاح جديد، أو قصة مبالغ فيها عن حدث سياسي، أو منشور مجهول المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن تأثير هذه المعلومات لا يقتصر على نشر أخبار زائفة فحسب، بل يمتد إلى زعزعة ثقة الناس بمؤسساتهم، وتعميق الانقسامات الاجتماعية، والتأثير على القرارات المصيرية.
ليس انتشار المعلومات المضللة دائمًا عشوائيًا، ففي كثير من الأحيان يكون جزءًا من حملات تضليل ممنهجة تخدم أهدافًا سياسية أو اقتصادية أو حتى عسكرية. فكثيراً من أجهزة الاستخباراتية العالمية تستخدم المعلومات كأداة فعالة في الحروب الحديثة، حيث لم تعد المواجهات تقتصر على الأسلحة التقليدية، بل أصبح التأثير على العقول والرأي العام عنصرًا أساسيًا في الصراع. فيتم استغلال الأخبار الكاذبة لإضعاف استقرار الدول، وبث الشك في مؤسساتها، والتلاعب بمواقف الشعوب تجاه قضايا معينة.
يرجع انتشار المعلومات المضللة إلى كونها أكثر إثارة وجذبًا من الأخبار الحقيقية، حيث يميل الناس بطبيعتهم إلى مشاركة المحتوى الذي يثير العواطف مثل الخوف، الغضب أو الدهشة. ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح بإمكان أي شخص نشر أي معلومة بلمسة زر، دون التحقق من صحتها. والأسوأ من ذلك، أن خوارزميات هذه المنصات غالبًا ما تعزز المحتوى الذي يولد التفاعل، بغض النظر عن مدى دقته. ففي بعض الحالات، يكون هذا الانتشار السريع جزءًا من استراتيجية مدروسة، حيث تُستخدم الأخبار المضللة لتوجيه الرأي العام نحو مواقف معينة أو لضرب مصداقية جهات سياسية أو اقتصادية.
وتعتبر هذه الظاهرة أداة قوية في حروب الجيل الرابع، حيث يتم استخدام المعلومات كسلاح لإضعاف الخصوم دون الحاجة إلى المواجهة المباشرة.
لمواجهة هذه الظاهرة، لا بد من تعزيز الوعي في التعامل مع المعلومات، فالحل لا يكمن في محاولة منع انتشارها بالكامل، بل في كيفية التصرف معها بذكاء. ومن الضروري التحقق من مصدر أي معلومة قبل تصديقها أو مشاركتها، والتأكد من أنها صادرة عن جهة موثوقة تدعمها بأدلة حقيقية. وهنا يجب الحذر من العناوين المضللة التي تكون مصممة لجذب الانتباه دون أن تعكس مضمونًا دقيقًا. فالبحث عن وجهات نظر متعددة يساعد أيضًا في بناء صورة أكثر شمولًا، بدلًا من الاعتماد على مصدر واحد قد يكون منحازًا أو مضللًا.
المعلومات المضللة لم تعد مجرد أخبار زائفة تنتشر عشوائيًا، بل أصبحت أداة استخباراتية تُستخدم في حروب خفية لإعادة تشكيل الوعي المجتمعي والتأثير على استقرار الدول. ومع تزايد تأثيرها، يصبح من مسؤولية الأفراد أن يكونوا أكثر وعيًا وانتقائية فيما يقرؤون ويشاركون. فالحقيقة باتت مهددة، والتحدي اليوم لا يقتصر على العثور عليها، بل يمتد إلى حمايتها من التحريف والتلاعب المنهجي الذي يهدف إلى إعادة تشكيل الواقع وفق أجندات خفية.