سطام بن عبدالله آل سعد
في عالم التنمية، يقال دائما إن التخطيط هو المفتاح لحل المشكلات، وكأنه العصا السحرية التي تحقق التوازن والازدهار. لكن الحقيقة مختلفة قليلا؛ التخطيط وحده لا يكفي، فبدون تحضير حقيقي ومدروس، يمكن أن تتحول الخطط المحكمة إلى مجرد حبر على ورق بلا قيمة.
في الرياض، عند تقاطع طريق الأمير تركي بن عبدالعزيز الأول مع طريق الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد، نجد مساحة لا تتجاوز تقريبا 3.5 كم² لكنها تحوي أكثر من 23 جهة مختلفة، من دوائر حكومية وهيئات إلى شركات وفنادق، جامعة، أسواق، وأحياء سكنية مكتظة. فخلال ساعات الصباح، يتحول هذا المكان إلى متاهة مرورية خانقة تمتد حتى ساعات الليل، وكأن المدينة قررت أن تحشر نفسها في هذا المربع الصغير.
وهنا يطرح السؤال نفسه: أين كان المخططون عندما سمح لهذه الفوضى بأن تتشكل؟ هل كان التقدير غير دقيق؟ أم أننا وقعنا في فخ التخطيط التقليدي، الذي يرسم كل شيء على الورق بطريقة مثالية لكنه لا يختبر الواقع؟ المشكلة في هذا النوع من التخطيط أنه ينهار أمام أول اختبار حقيقي.
إن الفرق الجوهري بين التخطيط والتحضير هو أن التخطيط يفترض أن الأمور ستسير كما هو متوقع، بينما التحضير يستعد لاحتمالات الفوضى والتغيرات غير المتوقعة قبل وقوعها. لو تم تطبيق هذا المفهوم في هذه المنطقة، لكان التوزيع أكثر ذكاء، بحيث لا تتحول إلى نقطة اختناق يومية. كما كان يمكن إيجاد حلول بديلة للنقل العام تقلل الاعتماد على السيارات الخاصة، مما يخفف الضغط على الطرق ويخلق بيئة حضرية أكثر توازنا.
خلال جائحة كورونا، أثبتت المملكة أن الاستعداد المسبق أكثر فاعلية من الاعتماد على الخطط التقليدية، إذ نجحت في إدارة الأزمة بكفاءة عالية بفضل تحضيراتها الاستباقية ونهجها المدروس. وقد انعكس هذا التحضير في سرعة الاستجابة، وتوفير الرعاية الصحية، وضمان استمرارية الحياة اليومية للمواطنين والمقيمين. وينطبق الأمر نفسه على البنية التحتية؛ فالدول التي تستعد مسبقا لمواجهة الكوارث المناخية أو الطبيعية تكون أكثر قدرة على احتواء الأزمات عند حدوثها.
في النهاية، لا يمكن الاعتماد على خطة واحدة جامدة، بل يجب أن يكون هناك بدائل جاهزة لأي سيناريو غير متوقع. الأهم من ذلك هو بناء مؤسسات قادرة على التكيف مع التغيرات قبل حدوثها، بدلا من التعامل بردود فعل متأخرة بعد وقوع الأزمات.
الفرق بين التحضير والتخطيط، يشبه الفرق بين أن تكون مستعدا للمفاجآت وبين أن تفترض أن كل شيء سيسير كما تتمنى. الأول يضمن النجاح، أما الثاني فقد يؤدي إلى الفوضى التي نشاهدها كل يوم في بعض مناطقنا الحضرية.
** **
- مستشار التنمية المستدامة