عبدالله بن محمد اللحيدان
الحمد لله على نعمة الهداية لهذا الدين الحنيف الذي من أركانه صيام شهر رمضان، ذلكم الشهر العظيم الذي هو أحب الأشهر عند الله سبحانه، وله من الخصائص والخير الشيء الكثير لما يكون فيه من النفحات الربانية والأعطيات الإلهية، وهل أعظم من نفحات رحمات الرحمن، صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده)، وشهر رمضان أرجى الأزمنة لذلك فكان لزاماً علينا أن نفرح بمقدمه ونتأهب لاستقباله عسى أن نظفر فيه بمعود ربنا سبحانه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهو القائل صلى الله عليه وسلم (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وإن مما يلزم لتحقيق ذلك أمور منها:
أولاً: العزم على التوبة الصادقة النصوح فإن هذا الشهر أبواب الخير فيه مفتوحة والتوبة معان عليها من يريدها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى مناد يا باغي الخير اقبل ولله عتقاء وذلك كل ليلة) وفيه أن من رحمة الله سبحانه بعباده أن يهيأ ما يسهل عليهم الإقبال عليه ويعينهم على التوبة إليه. ثانياً: أداء الصيام بمفهوم وتطبيق يليق بمكانته فيصوم صياما يكون مرضياً عند الله سبحانه، صياماً يترتب عليه ما يرجى من المغفرة المترتبة على حصول الهداية المتحققة بإتقانه وصيانته، والتي هي غاية الصيام وثمرته بأن يغفر للواحد منا ما تقدم من ذنبه، فيعيش هنيئا معها بحياة طيبة وإذا ما غادرها، غادرها منتقلا إلى رحمة ربه.
ثالثاً: إن من أسباب نزول الرحمات الإكثار من ذكر الله عموماً وتلاوة القرآن خصوصاً، وفي هذا الشهر المبارك لابد من مجاهدة النفس على قراءة القرآن والإكثار من ذلك، والله سبحانه قد جعل بين رمضان والقرآن ارتباطاً ظاهراً {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، كما أن القرآن يشفع لمن كان يصاحبه فيه في رمضان كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب إني منعته الطعام والشهوات في النهار فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال فيشفعان).
رابعاً: الاجتهاد في الدعاء الذي تظهر علاقته بالصيام ظهوراً واضحاً بأن تخللت آيات الصيام آية الدعاء التي يقول الله فيها {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، فصارت آيات الصيام تكتنفها من قبل ومن بعد، ربنا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، فعود الكلام إلى أحكام الصيام بعد أن تخللتها آية الدعاء فيه تنبيه على شدة ارتباط الصيام بالدعاء وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الارتباط إذ قال (إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد) فحري بنا ألا نغفل عن ذلك.
خامساً: مما يتأكد الالتزام به في هذا الشهر المبارك الإنفاق الذي هو مأمور به في كل حين وقد جعله الله أول صفة من أوصاف المتقين الذين حازوا الجنة إذ يقول سبحانه، {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}، فذكر أول ما ذكر من أوصافهم {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء}، ولكن الإنفاق في رمضان تتأكد مضاعفة ما كان يحدث منه في غيره ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس وكان أجودُ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة فيدارسه القرآن فالرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة/ أجود في الخير في رمضان مع أنه صلى الله عليه أجود الناس، أكثر جودا في زمان من الأزمنة من الناس وهذا الجود البالغ هذه المبالغ العالية كان يزيد في رمضان فالجود مطلوب في الأيام كلها لكن تتأكد مضاعفته في رمضان كما كان صلى الله عليه وسلم يتضاعف جوده في رمضان وكما أن جود ربنا سبحانه يتضاعف فيه. فهذه خمسة أمور نسأل الله أن يوفقنا لها لعلنا نظفر برضى ربنا عنا ويجعلنا وإياكم ممن يصوم هذه الشهر إيمانا واحتسابا ويتقبله منا القبول الحسن وصلى الله وسلم على نبينا محمد.