مرفت بخاري
هو شهر كريم يأتي في العام مرة، ثلاثون يوما تتجلى فيها النفوس وينجلي منها أمراض القلوب، ننسى فيها الأسية ونقبل على الحياة بنفس رضية لا تطمع إلا برحمة الله وغفرانه وهباته وعطائه وجنته، كلنا نحتفي فيه بما نحب وبما نقدر، وكأننا نعيش هذه الأيام كما يحب ربنا، تتربط الشياطين فنظهر بالنسخة الحقيقية لنا، وتتربع الرحمة في قلوبنا، فنطعم الطعام ونصلي والناس نيام، ونبحث عن المحتاجين لنقضي حوائجهم بكل ما نستطيع، البعض يجاهد نفسه أكثر ويستثمر وقته بقراءة القرآن والتسبيح والذكر ولا يسمح لنفسه بهدر يومه على المسلسلات والحفلات يدرك أنها أيام معدودات فيصيب باستثمار وقته على أفضل وجه، ليخرج من هذا الشهر الفضيل بعفو الرحيم وجنة الباري العظيم، ليت كل أيامنا رمضان، ليتنا نحصن أنفسنا طيلة العام من شر شياطين الأنس والجن لنكون بهذه النسخة الأجمل طيلة العمر، كلما كبرنا بالعمر نستحضر ذكرياتنا بهذا الشهر الكريم الذي أكرمنا الله به وكيف كنا نتبادل الأطباق الرمضانية في البيوت وكيف كنا يدا واحدة لتحضير موائد الرحمن تجد الجدة في فراشها تشرف وتقرأ وتدعي لأهل بيتها، والأمهات على المواقد يحضرن ما لذ وطاب وبناتهن كالفراشات يساعدن ويقدمن المساعدة مشاهد حفرت بذاكرتي وتعجبت من حالنا اليوم الذي اعتمد على التوحد في كل شيء، فالبيوت خالية من البركة، والخادمات تم تسليمهن هذه البركة بنجاح وعاثت البنات بالبركة والرحمة فتجدهن يبحثن عن الماسكات والكريمات والمواقع لشراء لوازم العيد قبل بداية الشهر، يصيبني الحزن والكل غافلون بأنهم سيعيشون مستقبلا بلا ماضٍ وبلا ذكريات مع أحبتهم وكبارهم فالحاضر خالٍ من هذه المشاعر الجميلة وهذا الاحتواء وهذه البركة، من يظن أنني أحارب تواجد المساعدات بالمنزل مخطئ فوجودها مهم ومهم جدا لمن استطاع، ولكنني أحارب الكسل والاستهتار وعدم خلق ذكريات بعطاء جميل لمن نحب، أحارب الاتكالية بكل أشكالها فالتعاون رحمة ومكمن حقيقي للسعادة، وإذا كثرت البيوت واجتمعوا في المنزل الكبير لماذا لا يتقاسموا العطاء والسعادة لماذا نجد دائما من يفتح بيته بحب وبركة لا يقدر فيحضر الأبناء وزوجاتهم وأطفالهم كأنهم ضيوف أين البر وأين التآخي وأين التعاون وأين المحبة في هذا التقصير؟ علينا أن ندرك بأن من يرى سعادته بوجودنا حوله هو من يستحق كل العطاء فنجان قهوتي اليوم يناشد محبيه كونوا عباد الله أخوانا يد بيد نصنع حاضرا جميلوذكريات أجمل.