عبدالله صالح المحمود
مع غروب شمس أول أيام رمضان، تتغير خارطة الإعلام العربي بالكامل، إذ تتحول الشاشات إلى ساحة تنافس شرس، حيث تتصدر المسلسلات الدرامية، والبرامج الترفيهية، والمقالب المثيرة للجدل، إلى جانب البرامج الدينية والتوعوية، سباقًا محمومًا على جذب المشاهدين. وبينما كان الإعلام الرمضاني سابقًا مزيجًا من الترفيه والمعرفة، يبدو اليوم أن كفة التسلية أصبحت الأثقل. فهل لا يزال الإعلام قادرًا على تحقيق التوازن بين المتعة والفائدة، أم أن الأمر بات مجرد سباق للربح والمشاهدات؟
لطالما كان رمضان موسمًا إعلاميًا استثنائيًا، إذ شهدت العقود الماضية إنتاج أعمال خالدة، مثل المسلسلات الدينية والتاريخية، والبرامج التي تعكس روح الشهر الكريم. إلا أن المشهد الإعلامي اليوم تغيّر جذريًا، حيث تحظى البرامج الدينية والاجتماعية بحصة ضئيلة من البث، في مقابل سيطرة واسعة للمحتوى الترفيهي، مما يعكس تحوّل الإعلام من كونه وسيلة تثقيفية إلى أداة ترفيهية بحتة.
قد يكون هذا التحول نتيجة طبيعية لتغير ذائقة الجمهور أو انعكاسًا للمنافسة الشرسة بين القنوات والمنصات الرقمية، لكن التساؤل الأهم: هل فقد الإعلام رسالته في هذا السباق؟
لا شك أن الترفيه عنصر أساسي في أي منظومة إعلامية، لكن عندما يصبح الهدف الأول والأخير هو تسلية المشاهدين دون تقديم أي قيمة فكرية أو اجتماعية، فإن ذلك يطرح إشكالية حقيقية. في السنوات الأخيرة، شهدنا ارتفاعًا ملحوظًا في البرامج التي تعتمد على الإثارة والجدل، مثل برامج المقالب التي تتجاوز أحيانًا حدود الأخلاق، والمسلسلات التي تكرّس أنماطًا اجتماعية سطحية دون أي رسالة واضحة.
وفي المقابل، هناك ظاهرة أخرى آخذة في التزايد، وهي عرض محتوى لا يتناسب مع روح رمضان، سواء من خلال بعض المسلسلات أو طبيعة المواضيع التي تُطرح بأسلوب لا يراعي خصوصية الشهر الكريم. فرغم أن رمضان يمثل فرصة لتعزيز القيم الروحية والاجتماعية، إلا أن بعض الأعمال المعروضة لا تعكس هذه القيم، بل على العكس، قد تحمل رسائل تتنافى مع أجوائه.
كما أن كثرة الإنتاجات الرمضانية باتت تمثل تحديًا آخر، حيث تُعرض عشرات المسلسلات دفعة واحدة، مما يجعل المشاهد مشتتًا بين الكم الهائل من المحتوى، ويفقد بعضها قيمته الفعلية بسبب التركيز على الكم أكثر من الجودة.
ومع تطور الإعلام الرقمي، أصبح المشاهد أكثر قدرة على التحكم فيما يشاهده، حيث توفر المنصات الرقمية خيارات واسعة، مما يفرض على القنوات التقليدية إعادة النظر في استراتيجياتها، لضمان تقديم محتوى أكثر تنوعًا ومسؤولية.
الحل لا يكمن في إلغاء الترفيه، بل في تقديمه بشكل أكثر مسؤولية. تخيّل لو أن الدراما الرمضانية قدمت قصصًا تُعزز القيم الإيجابية، أو أن البرامج الحوارية ناقشت قضايا مجتمعية بأسلوب جاد وهادف.
الإعلام في رمضان ليس مجرد أداة للتسلية، بل هو قوة مؤثرة في تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات. وبينما تتحمل المؤسسات الإعلامية مسؤولية تقديم محتوى متوازن، فإن للجمهور أيضًا دورًا في اختيار ما يشاهده ودعم المحتوى الهادف.
الرهان الحقيقي لا يكمن في عدد المشاهدات، بل في قوة التأثير. فبدلًا من أن يكون رمضان موسمًا لاستهلاك الترفيه بلا وعي، يمكن أن يكون فرصة لصناعة محتوى يُمتع ويُثري الفكر في آنٍ واحد، محتوى يليق بروح الشهر الكريم، ويترك أثرًا يتجاوز مجرد التسلية العابرة.