عايض بن خالد المطيري
رمضان هو شهر الطمأنينة، حيث تهدأ الأرواح، وتصفو القلوب، وتعلو أصوات المآذن بنداء الإيمان، فتجد الناس يتسابقون في الطاعات، ويبحثون عن لحظات روحانية تغمرهم بالسكينة. هو شهر تتجدد فيه العلاقة مع الله، حيث تملأ المساجد بالمصلين، وترتفع همم الصائمين، فيتفرغون للصلاة والذكر وقراءة القرآن، مستشعرين روحانية لا تتكرر في باقي شهور السنة. ولكن وسط هذه الأجواء المباركة، هناك من يجد نفسه بعيدًا عن كل هذا، مشغولًا في سباق لا ينتهي من التحضيرات والاستعدادات التي تحوّل الشهر الكريم من موسم للعبادة إلى موسم للإنهاك والضغوط المنزلية.
ففي بعض البيوت، يتغير إيقاع اليوم رأسًا على عقب، ويصبح الجدول الزمني أشبه بمخطط طوارئ لا مجال فيه للراحة. هناك نوعية من الناس لا تتذكر صلة الرحم إلا في رمضان، وكأن السنة أحد عشر شهرًا بلا أقارب! فجأة، تبدأ موجة «اعزمني وأعزمك»، ويتحول الإفطار إلى سباق اجتماعي، حيث تتنافس العائلات على أضخم الموائد وأكثر الأصناف تنوعًا، وكأن الصيام اختبار في من يستطيع تحضير أكبر عدد من الأطباق في أقل وقت ممكن. أما بعض الأبناء، فلا يظهر عليهم الكرم طوال العام، لكن ما إن يدخل رمضان حتى يبدأ موسم «الكرم المفاجئ»، فينطلق في دعوة الأصدقاء والمعارف بلا حساب، متجاهلًا الإنهاك الذي تعانيه والدته وأخواته في إعداد مائدة الإفطار، ثم غسل الصحون، وترتيب الفوضى التي يخلفها هذا الكرم الموسمي.
في بيوت كثيرة، يتحول المطبخ في منتصف النهار إلى ميدان معركة. تقطيع، عجن، طهي، حرارة مرتفعة، والجميع صائم، لكن لا وقت حتى لالتقاط الأنفاس. وبمجرد أن يرفع الأذان، يجلس الضيوف بكل أريحية للاستمتاع بوجبة متكاملة، بينما المضيفون يواصلون العمل في الخلفية، ثم تبدأ الجولة الثانية من المهمة حملة تنظيف شاملة تجعل المنزل يبدو وكأنه استقبل قافلة ضيوف قادمة من خارج الحدود.
عندما يحين وقت صلاة التراويح، يكون الإرهاق قد بلغ ذروته. بعض ربات البيوت تتجه للصلاة وقد أنهكها التعب، فالمطبخ يحتاج إلى إعادة تأهيل استعدادًا ليوم جديد بنسخة مكررة من المشهد ذاته. وهكذا، يمضي الشهر، وينتهي، ويجد البعض أنهم حققوا رقماً قياسياً في عدد الضيوف المستضافين، ولكن لحسن الحظ مع تركيزهم على حفظ القرآن والاستمتاع بصلاة تراويح خاشعة، وشعور بروحانية الصيام.
لابد أن يعلم الجميع أن رمضان ليس موسم المسابقات في عدد العزائم، وليس اختبارًا لمن يستطيع إقامة أكبر عدد من الولائم. بل هو شهر الروحانية، شهر الهدوء، شهر أن تجد نفسك أقرب إلى الله، فمن الجميل أن نكرم الضيف، ولكن الأجمل أن يكون ذلك دون إنهاك لأهل البيت، ودون تحويل الشهر الفضيل إلى موسم للطهو الجماعي والضغوط المنزلية. قليل من التوازن، وكثير من الفهم لمعنى رمضان الحقيقي، قد يجعل الشهر أكثر رحمة للجميع، بدلاً من أن يكون ماراثونًا لا ينتهي من الطهي والتنظيف والضيافة المرهقة.