رغد جمعان سعيد الزهراني
في عصر تتسارع فيه الابتكارات العلمية، تبرز تقنية النانو كإحدى الركائز الأساسية للتحول الصناعي والتقني، حيث تمثل ثورة في كيفية التعامل مع المواد على المستوى الذري والجزيئي، مما يفتح آفاقًا واسعة للتطوير في مختلف المجالات.
وقد أدركت المملكة العربية السعودية مبكرًا أهمية هذه التقنية ودورها المحوري في تحقيق مستهدفات رؤية 2030، حيث تسعى إلى تنويع الاقتصاد، وتعزيز الابتكار، وتطوير الصناعات المتقدمة، لتصبح مركزًا عالميًا في البحث والتطوير.
لم يكن اهتمام المملكة بتقنية النانو وليد اللحظة، بل يعود إلى عام 2007 عندما أنشأت معهد الملك عبد الله لتقنية النانو في الرياض، ليكون نواة لمشروعات بحثية متقدمة تُسهم في تطوير تطبيقات هذه التقنية في مختلف القطاعات. واليوم، تتجه السعودية إلى تعزيز استثماراتها في هذا المجال الحيوي، إدراكًا منها لدوره في تحقيق الاستدامة الاقتصادية والبيئية، وخلق فرص وظيفية جديدة، ودفع عجلة التنمية العلمية والتكنولوجية.
ووفقًا لتقديرات حديثة، استثمرت المملكة مليارات الريالات في الأبحاث والتطوير المتعلقة بتقنية النانو، حيث تضم الجامعات والمراكز البحثية السعودية أكثر من 30 مختبرًا متخصصًا يعمل على تطبيقات النانو في مجالات متعددة، بدءًا من الطب ووصولًا إلى الطاقة المتجددة.
وتُسهم تقنية النانو في تطوير حلول مبتكرة للعديد من القطاعات الاستراتيجية، وأبرزها:
- القطاع الطبي: تُستخدم المواد النانوية في تطوير عقاقير أكثر فاعلية لعلاج الأمراض المستعصية.
- الطاقة المتجددة: تُعزز تقنية النانو من كفاءة الخلايا الشمسية وتقنيات تخزين الطاقة،
- البيئة والمياه: تُستخدم تقنيات النانو في تحلية المياه ومعالجة النفايات.
- الصناعات التحويلية: تُمكّن الأنظمة النانوية من تصنيع مواد أقوى، وأخف وزنًا، وأكثر كفاءة.
وتتماشى تطلعات المملكة في تقنية النانو مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تضع الاقتصاد القائم على المعرفة في صميم استراتيجياتها. ومن هذا المنطلق، تعمل المملكة على:
* إنشاء مراكز بحثية متخصصة لدعم الأبحاث العلمية والتطبيقات الصناعية للنانو، مثل مركز النانو في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST).
* دعم الجامعات والابتكار العلمي من خلال برامج أكاديمية وهيئات حكومية ومختبرات متطورة تُعزز البحث العلمي.
* تحفيز الاستثمارات في التقنيات المتقدمة عبر شراكات مع شركات عالمية رائدة لتعزيز ريادة السعودية في هذا المجال.
ورغم هذه الجهود، تواجه المملكة بعض التحديات، مثل الحاجة إلى زيادة التمويل الموجه للأبحاث التطبيقية، وتعزيز التعاون بين الجامعات والقطاعات ذات العلاقة إضافة إلى جذب الكفاءات العالمية في هذا المجال لضمان تسارع التطور في تقنيات النانو.
إن تبنّي تقنية النانو لا يعكس فقط طموح المملكة في التقدم التكنولوجي، بل يؤكد إصرارها على بناء اقتصاد مستدام ومتعدد المصادر، يدعمه العلم والابتكار. ومع استمرار الاستثمارات في هذا المجال، فإن السعودية تضع نفسها في مقدمة الدول الرائدة عالميًا، مما يجعلها نموذجًا يُحتذى به في تسخير التقنية لتحقيق التنمية والازدهار.
توقعات الخبراء تشير إلى أن تقنية النانو ستُحدث تحولًا جذريًا في مختلف الصناعات خلال العقدين المقبلين، مما يجعل استمرار الاستثمار فيها خيارًا استراتيجيًا حتميًا. وبخطوات واثقة، ترسم السعودية ملامح مستقبل علمي متقدم، حيث تصبح تقنية النانو جسرًا نحو اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة، ومصدر إلهام للعالم أجمع.