أ.د.عثمان بن صالح العامر
في هذا الشهر الفضيل يشعر المسلم بقربه من ربه عز وجل، وربما جال في خاطره وهو عاكف في محراب الصيام، مرتل لكلام الله عز وجل سؤال محوري أساس يهمنا جميعاً في هذه الحياة ألا وهو: كيف يجب أن أكون كذلك طوال عمري حتى ألقى الله عز وجل؟، كيف لي أن أعيش مع الله في خضم هذه الحياة متلاطمة الأمواج التي نحن فيها بين مد وجزر؟، ولتحقيق ذلك واقعاً تحياه يستوجب - في نظري - توافر أمور عدة لعل من أهمها:
* أن تتعرف على الله كما جاء في كتابه عز وجل أو على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام.
* أن تعرف من أنت في ميزان الله، فأنت خليفةٌ لله في أرضه ولست خليفة عنه، فالأرض التي تسكنها وتعيش عليها، هو سبحانه وتعالى من خلقها، وهو مالكها أصلاً، وما زالت بيده وتحت قيّوميّته عز وجل، لم يفوّض أمر ملكيتها لأحد من خلقه، ولكنه هيَّأها وسخرها لجنس الإنسان ليعبد الله عليها، وليعمرها كما أراد الربّ سبحانه وتعالى، لا كما يريد هذا المخلوق المكرم من خالقه الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفُواً أحد.
* أن تعرف ماذا يريد الله منك، إذ إنّ مِنّا مَن يظن أن الله أمرنا فقط بأن نسبّح بحمده ونقدّس كما قالت الملائكة عن نفسها في آية الاستخلاف، والحق أن الله انتدبنا لأمرين أساس العبادة المحضة وفيها التسبيح لله والتقديس، وعمارة الأرض (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا).
* أن تعرف كيف تُحقق مراد الله كما أراد الله.
* أن تعرف ماذا أعد الله جزاءً لمن التزم بما أراد وعقاباً لمن حاد عن جادة الصواب.
وهذا كله يتطلب وينبني ويرتكز على خمسة أمور مهمة:
- التصديق بأن محمداً صلى الله عليه وسلم مبعوث من الله رحمة للعالمين، وأن ما جاء به وصحّ سنداً ومتناً حقاً لا مِرْية فيه ولا شك أو جدال.
- العلم الشرعي الذي يجعل الإنسان يعيش على بصيرة من أمره، وإن أعياه طَلَبُ هذا اللون من العلوم سأل أهل الذكر، العلماء الربانيين الذين أمرنا الله بسؤالهم شرعاً.
- الامتثال والاتباع والالتزام بما صح به الدليل، وأفتى فيه العلماء المعتبرون، مع واجب الاعتراف بالتقصير والتهاون والنسيان؛ فهي من طبائع البشر التي جُبلنا عليها جميعاً نحن بني الإنسان.
- الصبر والمثابرة حتى يأتيك اليقين.
- الدعاء بدوام نعمة العيش كما يريد الله، فالقلوب كما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولذا كان من دعائه عليه الصلاة والسلام «اللهم يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك».
- رمضان هذا الشهر الفضيل فرصة لأن نعيد ضبط بوصلة اتجاهات حياتنا لنعيش كما أراد الله لا كما نريد نحن أو يريد الآخرون لنا أن نكون؛ سواء جماعات مشبوهة توظفنا لخدمة أهدافها السياسية والإفسادية، وتسوقنا إلى الهاوية، أو رفقاء سوء يدمرون حياتنا ويبعدوننا عن عيشة السعداء أو... والأدهى والأمر أن منا من علاه الشيب وشاخ وما زال يعيش كما يريد هو أو يراد له أن يعيش، مع أن الله أنذره وأمهله حتى بلغ مرحلة الضعف بعد قوة.
دمتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، والصدقات والقرآن، وإلى لقاء والسلام.