د.محمد بن عبدالرحمن البشر
هناك مجموعة من الأشخاص أو أفراد بعينهم، يبتدئون بفكرة وينجزونها وتبقى خالدة تستفيد منها الأجيال العالمية المتعاقبة، فمثلا فكرة الإنسان قبل عشرة آلاف سنة بالاستقرار بدل الترحال أو العيش في الكهوف والغابات معتمدا في غذائه على الالتقاط، كانت فكرة جديدة ابتدعها الإنسان بعد أن تغير مناخ الأرض وأصبحت أقل برودة ومطرا، وأخذت بعض ظواهر الجفاف والتصحر تطرق الباب، ومن ثم وجد نفسه مجبرا على أن يفعل شيئا آخر يتناسب مع وضعه الجديد، فابتكر الزراعة، ثم تلاها بتدجين الماعز والدجاج والخراف والكلب والحمار، واستمر على هذه الحال آلاف السنين. بينما الحيوانات الأخرى بقيت كما كانت لم تفكر في عمل شيء لفرق العقل بينها.
وعلمنا التاريخ أن الإنسان قد تطور وطرأت أفكار أخرى جديدة، استمرت حتى وقتنا الحاضر، مثل الكتابة على الحجر كما فعل السومريون، ومن ثم على الجلد وورق البردى وغيرها، وعلمنا أيضا أنه استطاع بناء قواعد علمية مثل الرياضيات والفلسفة والآداب واستمرت حتى يومنا هذا، فأصبحت بدايات دائمة، ووضع الإنسان في أوكرانيا بدايات دائمة بقدرته على ترويض الحصان والاستفادة منه في التنقل والزراعة وحمل الأثقال، وكذلك زينة، وبدأ الإنسان أيضا بالاستفادة من البرونز والنحاس، بعد أن كان الساكن في العصر الحجري معتمدا على الحجارة، وبعد ذلك اكتشف الإنسان في هضبة الأناضول الحديد والاستفادة منه حيث انتقلت صناعته إلى اليونان وشعوب البحر، فكانت بدايات دائمة حتى اليوم، كما روض الإنسان العربي الجمل واستخدمه في السفر وحمل الثقال والحروب والمأكل لصبره وقدرته على تحمل العطش، وكانت بدايات دائمة، بينما نجد أن هناك بدايات كثيرة لم تكن دائمة مثل بناء الأهرامات، والتحنيط لجثث الزعماء والقادة. وعلمنا التاريخ أن هناك أفرادا أدخلوا بعض العبارات لبداية دائمة في الخطابات مثل قس بن ساعدة الأيادي الذي ابتدع كلمة أما بعد في بداية الخطبة، وهو أول من اتكأ على العصا أثناء الخطبة حتى يومنا الحاضر، وله شعر جميل يستحسن أن نحلي المقال بشيء منه، حيث يقول:
حلَّت رُمَيلَةُ بالمتبع حَلَّةً
إيان إذ هيَ ناشئ أملودُ
تهتلُّ عَن شَنَبِ اللِّثاتِ كأنَّها
عَسَلٌ بماءِ سَحابةٍ مَبرُودُ
وَلَقَد حَسَدتُّ إزارَها وقِنَاعَها
إنَّ الفَقِيرَ لذِي الغِنى لَحَسُودُ
وأخيرا فإن إنسان هذا العصر توج بدايات دائمة بقدرته على التحليق في السماء، والوصول إلى كواكب أخرى، ولا نعلم ماذا سوف يعمل الذكاء الاصطناعي، وهل له نهاية أو سيكون دائما، فنحن ما زلنا في بداياته.