عفاف بنت صياح الشمري
المحافظة على الثقافة المادية والتقاليد في عالمنا المعاصر، الذي يشهد تطورًا سريعًا في جميع المجالات، تبرز أهمية الحفاظ على الثقافة المادية والتقاليد كركيزة أساسية لاستمرار الهوية الثقافية للشعوب، والثقافة مفهوم شامل ومتعدد الأبعاد، يضم مجموعة واسعة من المعاني والتجليات، فهي قد تتجسد في الآثار والمعمار التي تعكس تاريخ وحضارة الأمم، أو تتجلى في الشعر والفنون المسرحية التي تعبر عن الإبداع الفني والإنساني، تتنوع الثقافة المادية بين المباني التاريخية، والحرف اليدوية، والملابس التقليدية، والمأكولات، في حين تشمل التقاليد: العادات، المعتقدات، والفنون الشعبية، ويجب الاخذ بفكرة أن كل أمة من الأمم لها عادتها وتقاليدها الخاصة بها، تناسب بيئتها ومعتقداتها.
وتُعتبر الثقافة المادية جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الشعوب، فهي تعكس تطور المجتمعات عبر العصور المختلفة، ويصف لنا حالهم وامكانياتهم، على سبيل المثال، يمكن للأبنية القديمة والأدوات اليدوية أن تقدم نافذة لفهم المعتقدات والقيم التي سادت في حقب معينة، كحي طريف في الدرعية في المملكة العربية السعودية، والذي أُسّس في القرن الخامس عشر وهو أول عاصمة لأسرة آل سعود العائلة المالكة.
والفنون الصخرية بمنطقة حائل يعتبر رابع موقع سعودي يسجل في قائمة التراث العالمي، حيث تمثل الآثار في الموقع عدداً من الأشكال الآدمية والحيوانية، ويمتد تاريخها إلى 10,000 سنة.
والتقاليد الثقافية، من ناحية أخرى، تحمل قيماً اجتماعية وروحية قديمة، تربط الأفراد بماضيهم وتساعد في فهم أسلوب الحياة الذي ساد في مجتمعاتهم ولا يقتصر اهتمامنا على ذلك بل إن الحفاظ على هذه العناصر الثقافية يعد ضرورة لضمان انتقال الهوية الثقافية من جيل إلى آخر، فالتقاليد والعادات ليست مجرد نشاطات يومية، بل هي مكونات أساسية لثقافة الأمة، وتُساهم في تعزيز الانتماء والوحدة الوطنية، وانطلاقا من هذا المحور فأن وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية تحتفي في كل عام بعنصر مميز من العناصر الثقافية للمملكة العربية السعودية تحت اسم ثقافي محدد؛ بهدف تركيز الاهتمام تجاه هذا العنصر، والتعريف بقيمته ودلالاته الثقافية، من خلال تعزيز حضوره في المشاريع والفعاليات النوعية.
كما يندرج تحت التقاليد، تقاليد اللباس الذي يعد شكله من العلامات المتميزة بين الشعوب، ومظهره من دلائل الفقر أو الغنى على الأفراد، كما أن اللباس رمز من رموز العفة والستر منذ أن خلق الله عز وجل الإنسان، قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (26) سورة الأعراف. فلباس البدن يختلف في المملكة العربية السعودية قليلًا بين المدن نفسها، ولا سيما بين الشمال والوسط والجنوب، كذلك من مقاطعة وأخرى حسب العرف أو التقاليد المتبعة في كل منطقة، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف البيئية المناخية في تلك المناطق، وفي الغالب ما تجد المواطن يرتدي تعديلات حديثة من التصاميم القديمة للزي السعودي، وعموما تعتبر الملابس الفضفاضة عملية ومناسبة لمناخ المملكة الحار الذي تجتاحه الرياح والرمال، كما أنّ هذه الملابس تتماشى مع التعاليم الإسلامية التي تحافظ وتحث على الحياء.
وأيضًا من التقاليد الأصيلة، التحيَّة المشتركة في المملكة العربية السعودية، تُعد تحية الإسلام «السلام عليكم» أكثر من مجرد كلمات تُقال؛ فهي دعاء بالخير، وتمنٍّ بالسلامة والبركة للآخر، وتحمل هذه التحية في طياتها معاني الاحترام والود العميق، غالبًا ما تتبعها المصافحة في اللقاءات الرسمية، كإشارة إلى التقدير المتبادل، وإذا كان اللقاء بين الأهل أو الأصدقاء المقربين، فإن التحية قد تأخذ شكل قبلة على الخد، رمزاً للتقارب العاطفي والعلاقات الراسخة التي تجمع بين الأفراد، هكذا، تتحول التحيّة إلى أكثر من مجرد بداية لقاء؛ لتصبح لغة ثقافية تعبر عن القيم الإنسانية الأصيلة.
* العولمة: العولمة أحد أبرز التحديات التي تواجه الثقافات المحلية، حيث تسهم في انتشار ثقافات وأسلوب حياة واحدة للعالم اجمع، وبالطبع يؤدي إلى تهديد الهوية الثقافية المحلية، في العديد من البلدان، كما أدى تأثير العولمة إلى انفتاح الأجيال الجديدة على ثقافات أخرى، مما ساهم في تراجع الاهتمام بالتقاليد المحلية.
* الانتقال إلى المدن: الانتقال من المجتمعات الريفية إلى المجتمعات الحضرية قد يسهم في تراجع بعض الممارسات التقليدية، كالزراعة والرعي والشعر والأدب، والفنون السعودية كالعرضة النجدية، والسامري، حيث يعتمد العديد من الشباب على أسلوب حياة حديث يعتمد على التكنولوجيا، مما يضعف ارتباطهم بالتقاليد التي كانت جزءًا أساسيًا من حياتهم اليومية.
* التطور التكنولوجي :على الرغم من أن التكنولوجيا توفر فرصًا للابتكار والابداع وقد تحافظ على التراث، فإنها أيضًا قد تساهم في تهميش الفنون والحرف اليدوية التقليدية، مثل، التطريز اليدوي، الخشبية و النحاسية ويغرها، التي لا تستطيع المنافسة مع الإنتاج الصناعي الذي يتمتع بأسعار منخفضة وتوفر واسع.
ولحماية الثقافة المادية والتقاليد، يجب اتخاذ خطوات فعلية على مستوى المجتمع والحكومة، من أهم الأساليب:
* التوثيق والثورة الرقمية :توثيق التراث الثقافي عبر الأبحاث، والكتب، والمقالات، وكذلك من خلال الوثائق الصوتية والمرئية، هذا يساعد في الحفاظ على تفاصيل الفنون والتقاليد التي قد تختفي مع الزمن، واستخدام التقنية الحديثة مثل الواقع المعزز بالإنجليزية: (Augmented Reality) هي التكنولوجيا القائمة على إسقاط الأجسام الافتراضية والمعلومات في بيئة المستخدم الحقيقية لتوفر معلومات إضافية أو تكون موجهًا له، أو الواقع الافتراضي: القائم على إسقاط الأجسام الحقيقية في بيئة افتراضية، يستطيع المستخدم التعامل مع المعلومات والأجسام الافتراضية، في الواقع المعزز من خلال عدة أجهزه سواء أكانت محمولة كالهاتف الذكي أو من خلال الأجهزة التي ترتدى كالنظارات.
وفي ظل الثورة الرقمية، أصبح من الممكن استخدام التكنولوجيا كأداة لحماية التراث الثقافي؛ من خلال التصوير الرقمي، والتوثيق الصوتي، والفيديوهات التعليمية، يمكن للأجيال الجديدة التعرف على الموروث الثقافي القديم.
إضافة إلى ذلك، تتيح وسائل التواصل الاجتماعي الفرصة للتعريف بالفنون الشعبية، الحرف اليدوية، والطعام التقليدي، مما يعزز الوعي الثقافي على مستوى عالمي.
* التعليم: إدخال مفاهيم الثقافة المادية والتقاليد في المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، وفرض رحلات ميدانية لمواقع تاريخية، التي تشمل المواقع الدينية والتعليمية والعسكرية والترفيهية، وتشمل مواقع بالتربة؛ كالمباني القديمة والجبال، ومواقع في الماء؛ كالسفن الغارقة، لتنمية الوعي لدى الجيل الجديد بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي.
* الترويج للمشاركة المجتمعية: تشجيع الشباب على المشاركة في الأنشطة الثقافية مثل اللعب التقليدي مثال على ذلك السامري والدحة، والفنون الشعبية، والمهرجانات الثقافية التي تُعتبر من أهم وسائل الحفاظ على التقاليد.
* التعاون الدولي :من خلال الاتفاقيات الدولية مثل «اتفاقية حماية التراث الثقافي المادي» التابعة لليونسكو، يمكن التعاون بين الدول لحماية المعالم التاريخية والممارسات الثقافية المهددة بالاختفاء.
في الختام إن الحفاظ على الثقافة المادية والتقاليد هو مسؤولية جماعية، وتتطلب تكاتف الجهود بين الأفراد، المجتمعات، والحكومات، يجب أن يكون الحفاظ على التراث الثقافي جزءً من الوعي الجماعي والشعور بالمسؤولية الاجتماعية، ومن الممكن أن تصبح هذه الثقافة المادية والتقاليد هي الجسر الذي يربط بين الماضي والمستقبل، ويحافظ على التنوع الثقافي في مواجهة التحديات العصرية.
ولا ننسى أن كل شخص منا يُعتبر حارسًا لهذا الإرث، وهو شريك في استمراريته، وحفظنا عليه يعد ضرورة؛ لضمان انتقال الهوية الثقافية من جيل إلى آخر، فكما نعتز بتاريخنا، يجب علينا أن نعمل على تعزيز حضور ثقافتنا في كل مجال، وأن نمرر هذا الوعي عبر الأجيال القادمة بكل فخر وإبداع، لتظل هويتنا محط فخرٍ واعتزاز للأجيال القادمة.
المصادر:
1 - القرآن الكريم.
2 - صالح، عبدالعزيز حميد: كتاب الأزياء عند العرب عبر العصور المتعاقبة، دار كتاب ناشرون،2019م.
3 - الحمود، محمد بن سعود: كتاب اللباس في العصر الجاهلي،1432هـ.2013م.
4 - موجيه، تيري: كتاب بدو المملكة العربية السعودية، العبيكان.
5 - اليونسكو: لحماية التراث الثقافي غير المادي: https://ich.unesco.org/
6 - اليونسكو: التقرير السنوي لليونسكو حول التراث الثقافي، https://www.unesco.org/en/culture
7 - المنصة الوطنية السعودية: الثقافة في المملكة العربية السعودية، https://n9.cl/4yr3l
8- وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات: الواقع المعزز، https://www.mcit.gov.sa/ar/augmented-reality