د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
التركيب المزجي إلصاق اسمين من غير إضافة إلصاقَ تاء التأنيث باسم مذكر فيكونان اسمًا واحدًا، فيفتح أولهما أي صدر المركب المزجي كما يفتح ما قبل تاء التأنيث، تقول: هذه حضْرَموتُ كما تقول: هذه فاطمَةُ، ويكتب الاسمان الممزوجان متصلين، نحو: بعلَبكَّ، ومعديكرب.
ولم يستعمل مصطلح (المركب المزجي) في الكتب النحوية المتقدمة وإن ذكرت الظاهرة بجلاء(1)، وأول ظهور للمصطلح حسب علمي في القرن العاشر عند الفاكهي والفارضي(2).
والمشهور في إعراب المركب المزجي إن لم يختم بـ(ويه)، الصرف إن كان نكرة، ومنعه من الصرف إن كان علمًا، لاجتماع العلمية والتركيب فيه. ومن لغات العرب إضافة صدره إلى عجزه إضافة لفظية، ولغة العرب المشتركة أجود، قال المبرد «وَإِن شِئْت أضفت فِي جَمِيع هَذَا الأول إِلَى الثَّانِي، والأجود مَا قدمْنَاهُ، فَقلت: هَذَا حَضرُمَوْتٍ وبعلُبكٍّ، فَاعْلَم ... وَإِنَّمَا كَانَ غير الْإِضَافَة أَجود؛ لِأَن الْإِضَافَة إِنَّمَا حَقّهَا التَّمْلِيك نَحْو قَوْلك: هَذَا غُلَامُ زيدٍ وَمولى زيدٍ، فَيكون مَوْصُولًا بزيدٍ بِبَعْض مَا ذكرنَا أَو تضيف بَعْضًا إِلَى كلٍّ نَحْو قَوْلك: هَذَا ثوبُ خَزٍّ، وَخَاتمُ حَدِيدٍ، وَنَحْو ذَلِك. وَأَنت إِذا قلت حَضرُ مَوْتٍ فَلَيْسَ (حضر) شَيْئًا تضيفه إِلَى (موت) على شَيْء من هَذِه الْجِهَات. وَإِنَّمَا صلَحت فِيهِ الْإِضَافَة على بُعْدٍ لِأَنَّهُ فِي وزن الْمُضَاف لِأَنَّك ضممت اسْما إِلَى اسْم كَمَا تفعل ذَلِك فِي الْإِضَافَة»(3).
فليست الإضافة على معنى (اللام) ولا على معنى (مِن)، فهي لفظية غير محضة. قال ابن الأثير «وهذه الإضافة لفظيّة؛ فإنّ كلّ واحد من الاسمين جزء من الاسم المركّب»(4).
قال الدكتور عباس حسن «ومن الإضافة غير المحضة إضافة صدر المركب المزجي إلى عجزه -مسايرة لبعض اللغات الجائزة فيه- نحو: قامت الطائرة من (أفغانِ ستانٍ) فوصلت إلى (بُورِ سعيدٍ) في بضع ساعات»(5). يذكر هنا اسمين حديثين، ولم يسمع لهما نطق موافق لطريقة المركب الإسنادي أي بفتح الصدر وإعراب العجز، و(أفغانستان) علم يطلق على بلاد الأفغان ولفظه دخيل على العربية بترتيبه، وهو مضاف ومضاف إليه؛ ولكن الإضافة معكوسة حسب لغتهم فالاسم الأول (أفغان) مضاف إليه و(ستان) بمعنى بلد مضاف، ومثله (باكستان) و(أوزبكستان)، ولذلك فهو مركب إضافي في أصله، ونقل إلى العلمية، كالمركب الإضافي في العربية (عبد اللهِ) ينقل للعلمية، ولا أظن أنه يصح أن نقول: هذه أفغانُ ستان، وزرت أفغانَ ستان، ونلاحظ اطراد الكسرة في نظائره التي ذكرنا بعضها وأغلب الظن أن الكسرة للتخلص من الساكنين النون والسين.
وأما (بور سعيد) فهو مضاف ومضاف إليه أي هو مركب إضافي نقل إلى العلمية، وليس من المزج في شيء، و(بور) تعريب للفظ الإنجليزي Port ومثله بور سودان، أي ميناء سعيد، وميناء السودان. والمعروف في نطق (بور) تسكين الراء، وربما كسرها بعض المصريين تخلصًا من السكون، ولا يسمع فيه رفع ولا نصب، فلا يقال (هذه بورُ سعيد) و(زرتُ بورَ سعيد). وكان له مندوحة بالاقتصار على المسموع مما له شواهد في كتب التراث.
وتابعه محمد عيد قال «نيويورك، حضرموت (من مدن اليمن الجنوبية)، بعلبك (قلعة في لبنان)، معديكرب (أحد أسماء الجاهلية)، بختنصّر (أحد ملوك الفرس)، بورسعيد. الكلمات السابقة من التركيب المزجي»(6). وليست (نيويورك) من المركب المزجي فهي في أصلها مركب وصفي (نيو) بمعنى جديد، و(يورك) اسم مدينة بريطانية. أي (يورك الجديدة)، وليس يسهل علينا معاملة هذا الاسم معاملة الاسم المركب وبخاصة أن العامة لا علم لهم بأصل الكلمة.
وتوهم الدكتور عباس حسن أن ما جاء من لغات العرب وذكره النحويون على سبيل الاستقصاء يقاس عليه، وليس الأمر كذلك، إذ هي لغات مفيدة في إقرار ما سمع من استعمالات قديمة تُعدّ مقبولة لغةً؛ ولكن لا يقاس عليها، فليس يقاس إلا على ما هو من قبيل اللغة المشتركة، وليس في هذه اللغة إضافة صدر المركب المزجي إلى عجزه.
**__**__**__**__**__**
(1) انظر: المقتضب للمبرد، 4/ 20.
(2) انظر: شرح كتاب الحدود في النحو للفاكهي، ص 88. و شرح الفارضي على ألفية ابن مالك، 1/144.
(3) انظر: المقتضب للمبرد، 4/ 23-24.
(4) البديع في علم العربية لابن الأثير، 2/ 271.
(5) النحو الوافي لحسن عباس، 4/ 46.
(6) النحو المصفى لمحمد عيد، ص: 45.