د.نادية هناوي
اتسمت لغة السرد في القصة القصيرة السعودية وعبر مراحلها المختلفة بالاهتمام باللغة من ناحية الحرص على فصاحتها والانزياح بها بلاغياً من أجل توليد الصور الشعرية، وبما يعطي القصة منحى إيحائياً يماشي التكثيف الذي هو سمة مهمة فيها مع الميل أحياناً إلى كتابة القصة الطويلة عبر المداومة على ضخها بالأحداث والشخصيات. مما نجده واضحاً في بواكير الأعمال القصصية. ولقد كان ذلك بمثابة عامل مساعد في التوجه نحو كتابة الرواية.
وكان للعناية بتوظيف الحوارات الخارجية مع بعض الاسترجاعات والاستبطانات الداخلية، أن أغنى القاص عن تجريب تقانات أُخر غيرها من قبيل استعمال المونولوجات المباشرة وغير المباشرة والتداعيات الحرة. وكان للطبيعة الصحراوية والبيئة المدنية مكانة أثيرة داخل القصة بوصفها مرآة تعكس البعد النفسي للشخصية وأبعاد الفضاء المكاني، فتغدو القصة حية متحركة بدراماتيكية. بيد أن المرأة تبقى موضوعاً أثيراً من موضوعات القصة السعودية. وكثيراً ما تؤدي دور البطولة كما أن غالبية أسماء الشخصيات وعناوين القصص تحمل دلالات سيميائية تعطي بعداً إشارياً يساعد في تفسير الأحداث وتأويلها.
وتعد سميرة بنت الجزيرة من رائدات السرد النسوي في المملكة العربية السعودية، ولها قصة (ذكريات دامعة) منشورة عام 1961 وهي قصة طويلة وليست رواية. وتتسم أحداثها ببعد رومانسي. أما البناء السردي فيها، فيقوم على نسق تقليدي هو التتابع باستعمال تقانة الاسترجاع الزمني، ويتولى سرد أحداثها راو عليم بضمير الغائب. والبطلة هي الأم السيدة الجميلة التي تعاني الوحدة بسبب رحيل ابنتها سلوى مع زوجها إلى بلاد بعيدة. وتكون الذكريات هي سلوتها كما تجد في الطبيعة ملاذاً لها من همومها. وتبث إليها أحاسيسها وأشجانها (السماء أخذت تبكي لبكاها والهواء يثير شجونها والبرق يحرك عواطفها ويوقظ آلامها وانهمرت الأمطار بشدة وأطلق الهواء صفيراً حاداً يقشعر له البدن وومض البرق بعنف. وإذا بالنافذة تدفع بقوة الهواء محدثة صوتاً عالياً وأخذت قطرات غزيرة تخترق إطار النافذة والسيدة ساهمة في عالم ذكرياتها التي تعيش فيها) ويتغيّر مجرى الأحداث بموت الابنة المفاجئ، الأمر الذي يقلب حياة الأم إلى تعاسة. وما يساعدها في تجاوز مرارة الصدمة أنَّ الابنة تركت وراءها وليدة، ستتعهدها الجدة بالرعاية وتعطيها اسم عهد. وفي هذا الاسم إشارة رمزية إلى قصدية ما سعت إليه البطلة من هدف، وهو أنها نذرت نفسها لإسعاد حفيدتها.
وكثيراً ما يستعمل الراوي العليم الاستبطان للكشف عن دواخل البطلة كما يوظّف الحوارات الفصيحة المباشرة وأحياناً يستعمل اللهجة المصرية. ويؤدي الوصف دوراً في تمتين الحبكة، ويستمر المنحى التراجيدي للأحداث طاغياً حتى نهاية الرواية.
وتنطبق هذه السمات السردية أيضاً على قصص سميرة بنت الجزيرة الأخرى، ومنها قصة (ودعت آمالي) وهي رومانسية وتدور أحداثها في مدينة القاهرة، وفيها البطل هو الراوي الذاتي بضمير الأنا (نشأتُ في بيت عريق تحيطه مظاهر الثراء والغنى بين أب من كبار رجال الأعمال ذي ذكاء حاد وثقافة عالية إلا أنه كان شديد المراس قاسي الحياة وقلما كنت أراه من كثرة أعماله) وما إن يرحل الوالد حتى يشعر الابن بفقدان قيمة الحياة. ويصير هاجسه هو البحث عن شخص يملأ فراغ حياته. وسرعان ما يجد البطل هذا الشخص بالصدفة، ممثلاً بسامية المرأة اللعوب التي تقوده في النهاية إلى الهاوية (كنت أحس بنبع من الحياة يتفجر في دمائي وبسمة حلوة من الأمل تتلألأ كالصبح المضيء في خيالي وأحسست أني من أعماق قلبي أحبها وأريدها معي في كل وقت).
ومن الروايات التي فيها المرأة شخصية مركزية ومؤثّرة (جرح الذاكرة) والبطلة اسمها لطيفة ومشكلتها الشعور بالدونية بسبب التقاليد التي تجعلها تتصور أن الذكر أفضل من الأنثى. وتحتدم أزمتها النفسية تجاه التقاليد الموروثة حين يبلغ عمرها خمسين عاماً، فيكون الحديث عمَّا هو مسكوت عنه سبيلاً لها للخلاص، متمردة بذلك على ما هو تقليدي.
ومن المسائل التي طرقها السرد النسوي الروائي السعودي خروج المرأة للعمل وتحدي التقاليد والأعراف وتثوير ما هو مسكوت عنه وكشف عيوبه عبر التركيز على ما هو مهمش وأنثوي بالانتهاك والإغواء والاعتراف برغبات الجسد المكبوت كما في (بنات الرياض) لرجاء عالم وفيها يتجلَّى وعي المرأة بحقيقة الرجل مما يمكنها من مواجهة المنظومة الذكورية. ويغدو الحب في رواية (الفردوس اليباب) ليلى الجهني أساس الصراع الشعوري الذي تعانيه الذات الساردة في حين يتجلى التابو الاجتماعي في رواية (الآخرون) لصبا الحرز فيكون النشوز محصلة العلاقات الشاذة وتكون المواجهة هي السبيل لمقاومة الهيمنة الذكورية. وتبدأ رواية (أنثى العنكبوت) لقماشة العليان بالسؤال عن معنى الحرية (أتساءل عن معنى تلك الكلمة الساحرة الرائعة الحارقة. أنا المكبلة بالأغلال والقيود وقضبان تحيطني من كل الجهات).