د. جاسر الحربش
يقولون ليلى لم تعد عامرية ترضى بالمقسوم من قيس وتطرب لغزلياته. يتحدثون عن ليلى جديدة تنعم بالديباج والبوتوكسوالفيلر. تقول ليلى (بعض ليلى وليس كل ليلى) هذي فلوسي وأنا حرة أتصرف فيها على كيفي. تسألها المال مالك يا ليلى ولكن ماذا عن قيس الطفران العطلان المقيم في البيت؟.
تحقق عملياً ما كان يصعب التفكير فيه. أفضلية التوظيف بالتمكين في حالة التعادل الكفائي تكون للمرأة أولاً ثم للرجل إلى أن يتحقق التوازن الديموغرافي. التصحيح بدأ بهدف تحقيق عدالة المساواة في حقوق الكسب بعرق الجبين وحسب الأداء والقدرات الكفائية. كانت عدالة المساواة مغيبة لصالح الذكور عبر العصور والدهور. الذكور أخذوها كحق مكتسب لهم بفارق القوة العضلية والهرمونية ونبرة الأوتار الصوتية. أصبح ترتيب المسؤوليات بين الطرفين مسلمات دعمتها الظروف المعيشية الصعبة ثم تحولت إلى عادات وتقاليد وأعراف.
الصراع من أجل البقاء يكون من واجبات الرجل خارج المنزل، وللمرأة البيت بكامله مع التصرف في الأرزاق والأثاث والمطبخ والأطفال. الأطفال بالذات يحتاجون لمن يؤدي مهمة الحمل والرضاعة ويقدم حضن الأمومة الدافئ ويقوم بتنظيف الصغير وفلي القمل من شعره عندالحاجة. تلك قدرات خارج تكوين الرجل الوجودي وتفكيره لتحقيق طموحاته في الصراع من أجل بقائه وبقاء بنيه وصاحبته التي تؤويه.
لأن العالم انفتح وتواصل وتداخل اقتصادياً وعملياً ومعيشياً وفكرياً صار لابد من تطبيق ما كان متوجباً أصلاً حسب النصوص الشرعية، وهو الإنصاف والعدالة للجنسين. ها هو ذلك الكائن المتواري الذي كان يعتاش مما يكسبه الرجل قد حصل على التمكين العادل الذي طال انتظاره، لم تعد الأنثى بحاجة إلى مال الذكر وأصبحت أحق بالتوظيف وأسرع في الوصول إلى مصادر الثروة، وخصوصاً في العمل في القطاع الخاص حيث الأموال الكثيرة الوفيرة، كالبنوك والشركات العابرة للمدن والمقاطعات والدول والقارات.
ليس مستغرباً بل ومن الطبيعي أن يفضل قطاع المال والأعمال توظيف الأنثى الكائن الرقيق الصوت لطيف المنظر والرائحة الذي يجتذب المستثمر والمساهم والمتسوق أكثر من نقيضه الخشن المشاغب.
أستنتج لنفسي وبنفسي فقط بناءً على ما سبق أن تشخيص العلة المزمنة (غمط حقوق المرأة) كان ماثلاً بيناً للعيون والعقول، وأن العلاج يتطلب إحقاق العدالة بتمكين للمرأة من المشاركة في الماء والكلأ والوطن والمسؤوليات داخل وخارج المنزل وأصبح ملحاً، وخصوصاً في فترة كان التضييق عليها قد وصل لدرجة الاختناق.
مثلما يتوقع حدوثه من آثار جانبية للعلاج في المؤسسات الطبية رغم كون التشخيص والعلاج مناسبين ومتناسبين لصحة البدن والفرد والمجتمع حدثت بعض الآثار الجانبية كذلك من وجود ليلى في المكتب وقيس في البيت.
من الآثار الجانبية التي تحتاج إلى دراسة ارتفاع إحصائيات تأخير أو حتى العزوف عن الزواج (العنوسة الإرادية) وازدياد حالات الطلاق والتخالع، وتدني الإنجاب إلى مستويات أدنى من المعدل المطلوب لبقاء عدد السكان على حاله على الأقل. ولأن الوفرة المادية لمن كان محروماً منها دون وجه حق تشجع على الإنفاق التبذيري صرنا نشاهد احتدام السباق على الاستهلاك والرفاهية التجميلية المضحكة المبكية وتشجعت وتكاثرت أفاعي وثعابين الفاشينيستا والمؤثرين والمؤثرات والسنابيين والسنابياتوالاحتيال بالنفخ والحقن والجرح والتعديل داخل البدن وخارجه.
المزعج أكثر كل ذلك هو ازدياد عدد المدخنات والمدردشات في المقاهي واللاونجات والمخببين والمخببات والثعالب التي في ذيولها سبع لفات.
أختتم وأقول (وهذا رأيي الخاص فقط): تواجد ليلى في المكتب تعمل وتستلم المرتب وقيسها في البيت طفراناً يتأمل شاربه في المرآة أن في ذلك ظاهرة تحتاج إلى دراسة بنفس الطرق التي تدرس بها الآثار الجانبية في التشخيص والعلاج للعلوم الصحية بهدف التخفيف منها وتحييدها ما أمكن والوصول إلى صحة اجتماعية وسطية وشاملة تراعي كفاية الإنجاب وتربية أطفال أصحاء وسعداء داخل أسرة نووية متكاملة.