أجرى الحوار - عوض مانع القحطاني/ تصوير - عبدالله مسعود:
38 عاماً كلها عطاء في المجال الإنساني والخيري والحقوقي.. تبنت العديد من قضايا الأيتام.. ساهمت في توحيد الجهود لخدمة العمل الإنساني في مملكة الإنسانية، كانت لديها رغبة في مجال الطب.. ولكنها بعد تخرجها من الجامعة في مجال العلوم الاجتماعية اتجهت للعمل في وزارة الشؤون الاجتماعية لكي تساهم في رعاية وتعليم الأيتام.
لقد أطلق عليها «أم الأيتام» منذ انطلاقتها في وزارة الشؤون الاجتماعية، وحتى بعد تقاعدها.
ضيفتنا في هذا العدد الأستاذة سمها سعيد عثمان الغامدي رئيسة مجلس إدارة (كيان للأيتام) وعضوة هيئة حقوق الإنسان في المملكة سابقاً وعضوة في العديد من الجمعيات الخيرية.
* كيف كانت النشأة؟
- كانت ولادتي في مدينة الباحة، وبعدها انتقلت مع الأهل في عمر صغير جداً إلى مدينة الرياض، وبالتحديد في أحياء الملز، وأنا بنت الرياض ترعرعت وتربيت ودرست في هذه المدينة الجميلة.. والدي لم يكن إنساناً عادياً كان مربياً ومؤثراً في مسيرة حياتي أنا وإخواني وأخواتي.
كان والدي في بداية حياته موظفاً في وزارة التجارة وبعدها اتجه للعمل في التجارة والأعمال الخاصة، كان عدد أبناء والدي 7 بنات وثلاثة أولاد، ورغم مشاغله - رحمه الله - إلا أنه يخصص جزءاً كبيراً من وقته للحديث معنا ويشرف على تربيتنا، كان إنساناً مثقفاً ومطلعاً، كان حريصاً على مسار التعليم وبقوة، حتى أنه وإلى آخر أيامه يحرضني على إكمال الدكتوراه.
* إذاً كيف سارت مرحلة التعليم؟
- أنا درست جميع مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي في مدارس حكومية، وكنت متفوقة في جميع هذه المراحل، وكنت أطمع في الالتحاق بكلية الطب، ولكن شاءت إرادة الله أن أغير الاتجاه إلى مجال الخدمة الاجتماعية، وقد التحقت بجامعة الملك سعود برغبة جادة وتخرجت من الجامعة بتقدير امتياز.
* بداية العمل كيف كانت؟
- بعد حصولي على البكالوريوس اتجهت لوزارة الشؤون الاجتماعية بحكم تخصصي، وبالفعل تم تعييني على الفور في وظيفة في مجال الخدمة الاجتماعية خاصة أن هناك نقصاً في مثل هذه الوظائف من قبل السعوديات، حيث لم تكن لديهم رغبة العمل في الجمعيات ومركز ذوي الاحتياجات الخاصة، وكنت من أوائل السعوديات اللاتي التحقن بمثل هذا العمل في الدور الإيوائية مثل دور الأيتام ودور المسنين ودور الأحداث كبار السن، حيث رأت سمو الأميرة سارة بنت محمد آل سعود المديرة العامة للرعاية الاجتماعية والنسائية بوزارة الشؤون الاجتماعية أن عملي الطبيعي هو في دور الأيتام؛ لأنها ربما لمست شيئاً في شخصيتي فوجهتني إلى هذه الدار، وتم تكليفي مباشرة كمديرة لدار الحضانة الاجتماعية لأصحاب الظروف الخاصة من الأيتام. وقد استمررت في هذا العمل 19 عاماً وعرفت احتياجاتهم وأصبحت أُماً لهم قبل أن أصبح مسؤولة عنهم وقد أعطوني شعور الأمومة.. بعد ذلك تم تكليفي مشرفة على دور الأيتام في نفس الاتجاه ثم مديرة عامة للإشراف النسائي الاجتماعي، بعد ذلك تم اختياري عضوة في هيئة حقوق الإنسان في المملكة بأمر ملكي، وقد كان ذلك التكليف نقلة نوعية في حياتي وبعدها تم إحالتي إلى التقاعد.
* كيف كانت تجربتك في مجال هيئة حقوق الإنسان؟
- الحقيقة كانت تجربة ناجحة جداً ولم أكن بعيدة عن هذا العمل الحقوقي، فقد كانت مهامنا في وزارة الشؤون الاجتماعية قريبة من ذلك العمل وكنت قبل تعييني في تلك الهيئة أشارك في بعض الاجتماعات وفي بعض المؤتمرات خارج المملكة، وقد كانت مدة الأربع سنوات في هذا القطاع ثرية بالعمل الجاد وثرية بإبراز الحقوق التي كفلتها الدولة للإنسان وخاصة المرأة، عملنا أنا وزملائي من أجل إيصال رسالتنا للخارج ونحسن الصورة عن حقوق الإنسان في شتى المجالات للخارج، حيث استطعنا تغيير الصور المشوشة عن المملكة وقد نجحنا في ذلك.
وقد كنا في تمثيلنا للمملكة على مستوى عالٍ أنا وزملائي، وتغيرت الصورة الذهنية عن هيئات حقوق الإنسان لدينا وتم زيارة العديد من الخبراء للاطلاع على ما يقدم للإنسان داخل المملكة فكانوا مذهولين، المرأة في السعودية تسير بخطى سريعة في التعليم منذ أن تأسست هذه البلاد، وتوجت في السنوات الأخيرة بإعطاء المرأة النصيب الأوفر في التعليم والتوظيف والمشاركة في بناء الوطن.
* ولكن هل تغيرت الصورة عن المملكة بعد هذه الجهود التي أعطيت للمرأة السعودية؟
- نعم بكل تأكيد كانت أحد الأسباب وأنا أعتقد تماماً أننا من أفضل الدول في العالم في مجال حقوق الإنسان، وأصبحت المملكة اليوم محور للخير وللإنسانية، وبعد أن كنا محل انتقاد أصبحت الدول التي حولنا والعالم تتفاخر بإنجازاتنا وتقييمنا وإنسانيتنا وأعمالنا الخيرة، وبفضل القرارات الحكيمة التي اتخذتها الدولة ونقلت هذا المجتمع إلى مصاف الدول المقدمة في كافة مناحي الحياة، كما أن بعض الهيئات والمنظمات استفادت من تجارب المملكة في رعاية السجناء ورعاية أصحاب الظروف الخاصة والمناصحة والعمل الاجتماعي وجعلتنا قدوة للمجتمعات ولم يكن هذا الإنجاز عادياً.. بل أصبحت شيئاً نفخر به، وأنا عند تعييني في هذه الهيئة التقيت بالملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وكانت توجيهاتهم لنا كعضوات سديدة، وكان لها أثر كبير جداً في عملنا وفي حياتنا.
* لماذا اخترتِ العمل الإنساني.. هل هناك أسباب معينة في حياتك؟
- أنا نشأت في رحم العمل الإنساني لأن والدي كان محباً للعمل الخيري وكان يرعى عدداً من الأيتام في منزلنا، وكان يعطي كثيراً من المساعدات للمحتاجين لمن يطرق بابه، لذلك اتجهت للعمل الإنساني وتقديم الخير لكل المحتاجين خاصة الأيتام.. وقد احتضنت أطفالاً من الأيتام وأرعاهم حالياً مع أسرتي، كما أنني تأثرت كثيراً بأم الأيتام الأولى الأميرة سارة بنت محمد التي سخرت جهدها لخدمة العمل الخيري والإنساني، والعمل الإنساني منحة من الله، وهذا واجب ديني ووطني.
* هل واجهتك أي مصاعب في العمل مع هذه الفئة؟
- كان من أصعب التحديات العمل مع هذه الفئة؛ لأن (اليتيم) محروم من الأسرة، وكيف تستطيع أن تتغلب على مشكلة هذا اليتيم وتساعده، وكيف يتأقلم مع وضعه، وكيف نجد أسرة بديلة لهذا الابن اليتيم داخل الدار، وكيف يندمج مع المجتمع، وهذا من أكثر التحديات والصعوبات التي تواجهنا، ولكننا مع مرور الوقت وبوجود الكوادر استطعنا التغلب عليها.
* كيف ترين تفاعل المجتمع مع قضايا الأيتام والقبول بهم؟
- المجتمع فيه الخير وهو مجتمع متكافل والكثير منهم يتعاطف مع هذه الفئة ويقدم لهم ما يمكن، والدليل على ذلك زيادة عدد الأسر الكافلة لليتيم، ولا زال لدينا بعض الحالات في دور الأيتام ونتطلع أن يكون لهم أسر.. ونسعى في مجال التوعية لقبول هذا اليتيم في الوظائف وإيجاد الوظائف لهم في كافة القطاعات حتى يستطيعوا الاستقرار.. والمجتمع مقارنة بما قبل 30 سنة مختلف ولديه عاطفة.
* من هم الأكثر طلباً للاحتضان، الإناث أم الذكور؟
- بالنسبة لاحتضان الإناث فهو أكثر؛ اعتقاداً أن البنت أقرب لحنان الأم التي تريد الاحتضان وسهولة تربيتها.. ولكن الإحصائيات الأخيرة تشير إلى أن هناك قبولاً للجنسين.
* كيف تنظرين إلى رؤية المملكة خاصة في مجال العمل الخيري؟
- هذه الرؤية أوضحت لنا أين نتجه في كل مناحي الحياة وخاصة العمل الخيري والإنساني.. أعطتنا هذه الرؤية قيمة عظيمة للعمل الخيري وللجمعيات الخيرية خاصة أن هذه القطاعات في المجال الاقتصادي مؤثرة، والرؤية من أهم الأمور التي جعلتنا كيف نخطط وكيف نسير للأهداف لهذه القطاعات في مجال التنمية المستدامة، وقد حلمنا بأمور كثيرة وقد تحققت ووصلت المرأة إلى أعلى المناصب.
* ما الشيء الذي كنتِ تتمنينه وأنتِ على رأس العمل ولم يتحقق؟
- كنت أتمنى أن يكون لكل يتيم أسرة بعيداً عن دور الحضانة ولكن غالباً ما تواجهنا صعوبة.
* ما الشيء الذي تعتزين به في حياتك؟
- أفخر وأعتز بتأسيس أول جمعية للأيتام وبجهود من قاموا على هذه الجمعية من الإخوان والأخوات وهي تعد معلماً إنسانياً في بلد الخير.
* ماذا أعطاكِ الوطن؟
- أعطاني الوطن القيمة التي أستحقها.. أعطاني التعليم.. وأعطاني الفرصة للعمل في خدمة الوطن.. وأعطاني العمل في حقوق الإنسان.
* ماذا أعطيتِ للوطن؟
- أشعر أنني مقصرة، ووطني مهما أعطيناه فلن نوفيه حقه.
* وكيف ترين تطور السياحة داخل المملكة؟
- السياحة رافد من روافد الوطن وأصبحنا نرى نقلة نوعية في بناء سياحة في مختلف مناطق المملكة، وأن نري للعالم ما هي المملكة وما تحتويه من معالم تاريخية وحضارية وبيئة خلابة وأجواء رائعة.
ونحن في المملكة يوجد لدينا معالم سياحية لم نكن نعرفها أبناء المملكة، واليوم تكشفت لنا هذه الأماكن.. السياحة التي نعتز بها وبتراثنا وحضارتنا، نحن شعب مضياف ومرحب وهذا مكسب جميل أن تقدمه لضيوف المملكة.. والسياحة لدينا اليوم أصبحت مؤشراً على مكانة هذه البلاد وأهلها.. وهي ما زالت في البداية.
* أين تكمن المتعة بعد التقاعد؟
- تكمن المتعة بعد التقاعد بأنني لا أتوقف وأنا أؤدي واجباتي تجاه أسرتي والأقارب، وأمارس عمل التطوع والالتحاق بالمجال الخيري وهذه الأمور طريقنا للجنة.
* حدثينا عن أولادك؟
- أنا عندي ثلاث بنات والرابعة (محتضنة) وعندي ولدان والثالث (محتضن) وكلهم في صحة وعافية، زوجت بنتين والبقية في الطريق.
* من قدوتك في الحياة؟
- قدوتي هو الوالد - رحمه الله - لأنه صحح مسيرتي التعليمية والعملية وقدوتي الثانية الأميرة سارة بنت محمد آل سعود هي من تشرفت بالعمل معها.
* من مثلك الأعلى؟
- هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو قدوتنا في هذه الحياة ومعلمنا الذي نقتدي به وهو مثلنا الأعلى في هذه الحياة.