سلمان بن محمد العُمري
من المحدثات والظواهر المستجدة خلال العقود الثلاثة الماضية المعانقة عند العزاء لأهل الميت من المعزين، وهذه العادة توقفت زمن كورونا للاحتياطات الصحية واكتفى الناس بالتعزية في المقبرة وعند الدفن بـ(السلام نظر) وما إن عادت الأمور كما كانت -ولله الحمد- فإذا بالناس يعودون للعادات القديمة التي ما أنزل الله بها من سلطان وتخالف الهدي النبوي الكريم في العزاء.
تخيل أن مئات المعزين في المسجد أو المقبرة أو في مكان العزاء، وجميعهم (يمطخون) ذوي المتوفى، وكم من هؤلاء من هو مرشح أو به انفلونزا، أو مرض جلدي أو غيرها من الأمراض والفيروسات، وعند السلام عليه فربما يسلم هو أو لا يسلم وربما كان هو الوسيط في نقل العدوى لمعزي آخر لم تكن المناعة عنده قوية، وكم من مريض كان يعاني ما يعاني إثر هذه المعانقات والمبالغة في الاحتضانات والتقبيل من القرابة ومن البعيدين وكم انتقلت العدوى عقب هذه المخالطات والمعانقات.
وسئل الشيخ ابن باز -رحمه الله-: نلاحظ في وقت العزاء أن أغلب الناس عندما يريدون التعزية يقبلون المعزى أو يعانقونه، والبعض ينكر ذلك ويقول: إن التعزية مصافحة فقط؛ فما رأي سماحتكم في ذلك؟
فأجاب: «الأفضل في التعزية وعند اللقاء المصافحة إلا إذا كان المعزي أو الملاقي قد قدم من سفر فيشرع مع المصافحة المعانقة؛ لقول أنس رضي الله عنه: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا). انتهى من «مجموع الفتاوى» (13-374).
وقال أيضاً في كلامه على التعزيةـ: «وإذا قابله شُرع له مصافحته والدعاء له بالدعاء المناسب مثل: (أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وجبر مصيبتك)، وإذا كان الميت مسلماً دعا له بالمغفرة والرحمة» انتهى من «مجموع الفتاوى» (13-382).
والحاصل: أن المعانقة والتقبيل عند التعزية لا يشرعان، ولا بأس بالمصافحة.
ومما قاله الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن التعزية ومشروعيتها وما ورد فيها وما أحدث فيها فقال: التّعزية سنّة مؤكّدة للمصاب من قريب أو صديق أو زميل أو غير ذلك.
ومعنى التّعزية تقوية المصاب على تحمّل ما نزل به من المكروه، هذه هي التّعزية ومنها الأرض العزاز يعني الصّلبة، فكأنّك تصلّب هذا الرّجل وتقوّيه حتى لا يلين أمام هذه المصيبة، بل يكون قويّا، فكلّما رأيت مصابا بماله أو فقد حبيبه أو مرض فيه أو غير ذلك أو تعزّيه.
وأحسن صيغة للتّعزية ما عزّى به النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إحدى بناته حيث قال للرّسول الذي أرسلته إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم:(مرها فلتصبر وتحتسب، فإنّ لله ما أخذ وله ما أبقى وكلّ شيء عنده بأجل مسمّى) هذا أحسن ما يكون، وله أن يقول دعاء مناسباً مثل ما هو مشهور عند النّاس اليوم: «أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر الله لميتك» أو غير ذلك من الدّعاء المناسب.
وأمّا التّقبيل والمصافحة فليست من سنن التّعزية إلاّ إذا كان هذا أوّل ما لقيته فإنّك تصافحه، لأنّ المشروع عند الملاقاة المصافحة، وأمّا أن تتّخذ سنّة على أنّها من سنن التّعزية فهذا بدعة، لأنّ كلّ من تقرّب إلى الله بشيء لم يشرعه الله كان مبتدعاً.
وأمّا مكانها فليس لها مكان معيّن، أيّ مكان تجد فيه المصاب وتشعر بأنّه مصاب فإنّك تعزّيه.
أتمنى أن نلتزم الهدي النبوي في العزاء قولاً وعملاً ابتغاء الأجر والثواب العظيم من الله عز وجلّ، وأن نبتعد عن البدع والمحدثات وما فيه من أضرار صحية على الإنسان.