د. ناهد باشطح
فاصلة:
«يوفر تتبع العادات دليلاً مرئياً على عملك الجاد وهو تذكير خفي بمدى تقدمك» - جيمس كلير -
***
نسمع كثيراً عبارة «رمضان زمان أفضل من الآن»، وتنشر وسائل الإعلام الكثير من المقابلات الصحافية لتعزيز هذه الفكرة.
خطورة هذا الأمر أنه لا يجعلنا نبني ذكريات جميلة لحاضرنا... لرمضان الذي نعيشه كل عام، حيث إن المواقف المشحونة عاطفياً هي التي تقودنا لخلق الذكريات الحيّة، من الطبيعي أن يتذكر الإنسان ماضيه، وأن تستيقظ الذكريات بمشاعر تشمل دفء الأسرة، خاصة إذا جاء رمضان بعد فقد أحد أعضائها وصار مكانه خالياً في الاجتماعات.
يعتبر الباحثون في مجال الذاكرة أن الحدث يُوصف بأنه «عاطفي» إذا قيَّم الإنسان الحدث بأنه ممتع أو غير سارٍّ، فالعاطفة تؤثر في تكوين الذاكرة، وحالتنا العاطفية في وقت وقوع الحدث يمكن أن تؤثر في قدرتنا على حفظ تفاصيل ذلك الحدث، فبسبب ما شعرنا به سابقاً من الشعور الجميل بحميمية رمضان وسط أهلنا، فإن كل تفاصيل ما عشناه ظل محفوراً في ذاكرتنا، بينما نحن اليوم مشغولون أكثر بتصوير موائد الطعام وتنويع الأطباق دون أن نعطي لعواطفنا مساحة خلق ذكريات تدوم لفترة أطول!!
ومادمنا تحدثنا عن الموائد والطعام فلا زلت أتعجب أن نظل متمسكين بعادات غذائية مضرة، لأن تركيزنا على الطبخ وتنوع الأصناف في رمضان أكثر من تركيزنا على روحانيته!!
رمضان مناسبة تتكرر كل عام، والعقل البشري يتعامل مع المناسبات المتكررة بناءً على الذاكرة الترابطية Associative Memory وكذلك العادات المكتسبة، لكننا جعلنا من رمضان موسماً لاستهلاك الطعام بشراء مستلزماته والتنافس في إعداد أطباقه!!
السلوكيات المتكررة في رمضان هي نتيجة برمجة عصبية وتكرار، ذاكرة عاطفية اجتماعية، تفاعل بيولوجي وتغيير في الهرمونات، وتأثير اجتماعي ثقافي، مما يجعلنا نعيد الطقوس نفسها بشكل تلقائي كل عام؛
لذلك لكي نغير العادات الضارة علينا قبل كل شيء الاعتراف بضررها، لكن لماذا لا نغير عادات الأكل الضارة في رمضان؟
بناء العادات عملية تتم من خلال التكرار والارتباط العصبي داخل الدماغ. يبدأ الإنسان بتكوين عادة جديدة عندما يكرر سلوكًا معينًا بشكل منتظم، مما يعزز المسارات العصبية في الدماغ، ويجعل السلوك أسهل مع الوقت حتى يصبح تلقائيًا، وهذا ما نفعله كل عام في رمضان حيث نكرر السلوكيات والعادات نفسها يفعل ذلك الدماغ آلياً.
في البداية، تعتمد العادة على القشرة الجبهية، المسؤولة عن اتخاذ القرارات، ومع التكرار، تنتقل العادة إلى العقد القاعدية، وهي جزء من الدماغ يجعل السلوك تلقائيًا وأقل وعيًا، وعند تحقيق المكافأة، يفرز الدماغ الدوبامين، مما يعزز الرغبة في تكرار العادة.
والذاكرة الإجرائية هي التي تعمل دون إدراك بكيفية القيام بالأشياء وهي الأهم في تكوين العادات اليومية، ولذلك يمكننا تفسير تمسكنا بعادة استهلاك الأكل في رمضان بأسباب عدة منها:
1 - قلة الوعي.
2 - العقلية التعويضية حيث يصبح استهلاك الطعام تعويضاً عن الصيام.
3 - انعدام الدافع وغياب التحفيز.
4 - الأسباب النفسية مثل الاكتئاب.
5 - الإعلانات التجارية.
6 - عدم تحديد البدائل.
7 - الاعتقاد أنك بحاجة إلى أن تصبح شخصاً مختلفاً.
في الأسبوع القادم سنتحدث كيف يستطيع العقل تغيير عاداتنا الضارة واكتساب العادات النافعة.
المصادر:
- صحيفة الرأي، إليك لماذا يصعب علينا التخلص من العادات السيئة رغم سرعة اكتسابها، 2024.
- أروى نجيب، الذاكرة العاطفية.. لماذا يظن البعض أن رمضان زمان كان أفضل، موقع الجزيرة نت، 2023.