د. أحمد محمد القزعل
الحياة تلك الهبة الإلهية التي ننعم بها وهي من أعظم النعم التي يمنحها الله تعالى لعباده، فهي الأساس الذي تقوم عليه كل حقوق الإنسان؛ لأن وجود الإنسان على قيد الحياة شرط أساسي لتمكينه من التمتع بحقوقه الأخرى كالحرية والكرامة والعدالة، فحق الحياة هو حجر الزاوية في منظومة حقوق الإنسان، ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ورزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تفضيلاً}[الإسراء: 70]، وهذه الآية الكريمة تؤكد على أن الله تعالى قد كرم الإنسان وجعله خليفته في الأرض ومنحه الحياة كأمانة يجب الحفاظ عليها.
فما هي التحديات التي تواجه حماية حق الحياة في العالم المعاصر؟ وكيف يمكن للمجتمع الدولي والمجتمعات الإنسانية العمل معاً للقضاء على العنف والقتل؟
بدايةً إن سلب حق الحياة من الإنسان يعني سلب كل الحقوق الأخرى، ويعتبر ذلك انتهاكاً صارخاً لكرامة الإنسان؛ ولذلك فإن حماية حق الحياة هو واجب ديني وأخلاقي وقانوني على كل فرد ومجتمع، لكن حقُّ الحياة كان عبر التاريخ عرضة للانتهاكات والمخاطر، إذ شهدت حقب ماضية شرائع تبيح قتل الأرقّاء وتمنح زعماء القبائل حقّ التحكم في حياة الأفراد وموتهم، كما أنه في الجاهلية كان للأب الحق في وأد البنات بلا رادع، ولا يزال هذا الخطر الداهم قائماً حتى يومنا هذا، حيث يُقتل الكثير من الأبرياء ظلماً وعدواناً تحت ذرائع واهية لا يقرها عقل ولا شرع.
والشريعة الإسلامية تولي أهمية قصوى لحماية الحياة الإنسانية، وتعتبر قتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر، ويقول تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، وهذه الآية الكريمة تؤكد على حرمة قتل النفس البشرية، وتعتبر من أحياها كمن أحيا الناس جميعاً، كما أن الإسلام يحرم الإجهاض إلا في حالات الضرورة القصوى التي تهدد حياة الأم وذلك حفاظاً على حق الجنين في الحياة، ويحرم الإسلام التعذيب والقتل بجميع أشكاله، ويؤكد على أهمية العفو والصفح والتسامح، ومن مظاهر حفظ الإسلام لحق الحياة أن جعل جميع الوسائل المفضية للقتل ممنوعة، كحمل السلاح وتوجيهه تجاه الآخرين، أو الاعتداء على النفس الإنسانية بالانتحار، وقد وضع الإسلام العقوبات الشرعية والزواجر العملية لأجل منع ذلك، فالإنسانية قيمة لها احترامها في التشريع الإسلامي، وليس ذلك خاصاً بحالة الإنسان أثناء الحياة فحسب، بل يمتد ذلك الحق أثناء الموت وبعده؛ إذ من حق الإنسان إذا توفي أن يُحترم جثمانه؛ لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كفّن أحدكم أخاه، فليحسن كفنه إن استطاع» (مسند أحمد - رقم: 13999).
ومن أهم التحديات التي تواجه حماية حق الحياة في العالم المعاصر:
1 - النزاعات المسلحة والحروب والصراعات الداخلية والدولية التي تزهق أرواح الأبرياء وتستهدف المدنيين.
2 - الإرهاب والجريمة المنظمة التي تزايد من أعمال الإرهاب والعنف المنظم فيقتل الأبرياء لأهداف سياسية أو أيديولوجية.
3 - غياب العدالة وانتشار الظلم وضعف أنظمة القضاء في بعض الدول وعدم محاسبة الجناة، وكل ذلك يشجع على انتهاك حق الحياة.
4 - التمييز والعنصرية من خلال استهداف مجموعات معينة بسبب العرق أو الدين أو الهوية يؤدي إلى أعمال عنف وقتل جماعي.
5 - الفقر والتهميش والظروف المعيشية القاسية قد تدفع البعض إلى اللجوء للعنف أو تصبح سبباً في تجاهل قيمة الحياة.
6 - انتهاك حقوق الإنسان وقمع حرية التعبير والتعدي على الحقوق الأساسية قد يؤدي إلى العنف الممنهج.
حقيقة إن حق الحياة مكفول لكل فرد من أفراد المجتمع الإنساني، كما أن حق الكرامة الإنسانية يُعد امتداداً طبيعياً لحق الحياة، فكرامة الإنسان هي أصل الحقوق جميعاً، فهي التي تعكس جوهر إنسانيته وتُميّزه عن سائر المخلوقات، ونصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حقّ الفرد في الحياة وسلامة شخصه، فجاء في المادّة الثالثة منه ما نصّه: «لكلّ فرد الحقّ في الحياة والحرية وسلامة شخصّه»، ومنع الإعلان العالمي التدخل التعسفي في حياة الشخص أو أسرته أو مسكنه وأعطاه على ذلك حماية القانون، فجاء في المادّة الثانية عشرة منه ما نصّه: «لا يُعّرض أحد للتدخّل التعسفي في حياته الخاصة، أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكلّ شخص الحقّ في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات»، ولا بد من قيام المجتمع الدولي والمجتمعات الإنسانية بدورهم في حماية حق الحياة والقضاء على العنف والقتل من خلال:
1 - تعزيز القوانين الدولية ودعم المواثيق التي تحمي حق الحياة وضمان تنفيذها على الصعيدين المحلي والدولي.
2 - محاربة الفقر والجهل وتحسين الظروف المعيشية والتعليمية مما يقلل من دوافع العنف والجريمة.
3 - تعزيز ثقافة السلام والتسامح ونشر قيم الاحترام المتبادل ونبذ العنف من خلال التعليم والإعلام.
4 - محاسبة مرتكبي الجرائم وإنشاء محاكم دولية قوية قادرة على معاقبة الأفراد والدول التي تنتهك حق الحياة.
5 - دعم المجتمعات الهشة وتوفير مساعدات إنسانية وتنموية للمناطق التي تعاني من الحروب والفقر لتخفيف الضغط الذي قد يؤدي للعنف.
6 - التعاون الدولي وتكاتف الدول لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة عبر تبادل المعلومات وتنفيذ استراتيجيات مشتركة.
7 - العمل المشترك بين الدول والمؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني ضروري لترسيخ احترام حق الحياة وبناء عالم أكثر عدلاً وأمناً.
ومن نافلة القول: إن الحياة منحة من الله عزّ وجلّ، وهذا ما جاءت به الأديان وأكّدته المواثيق والمعاهدات الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، ويجب على دول العالم كافّة التي يعيش بها الإنسان حماية هذا الحقّ من كل اعتدّاء وضرورة توفير وتأمين كافّة الوسائل اللازمة لرعاية هذا الحقّ من غذاء ودواء وأمن ومساواة وغير ذلك.