نجلاء العتيبي
رمضانُ نافذةٌ تنفتح على عالم من الطمأنينة، حيث تهدأ الأرواح، وتسمو النفوس.
هو شهر يتجلَّى فيه النور في القلوب، ويتحوَّل فيه الصمت إلى لغةِ تواصلٍ بين العبد وخالقه، تُزيَّن أيامه بمعاني السكينة، ويغمر لياليه عبقُ الدعاء؛ فتتناغم الحياة بين السعي الروحي والتأمُّل العميق.
في رمضان تصبح كل لحظة انعكاسًا لمعنى أسْمى، حيث يُستبدل زحام الأيام بمساحاتٍ من الصفاء الداخلي. عندما يحينُ موعد الإفطار، وتبدأ التكبيرات تملأ الأجواء تتجمَّع العائلة في مشهدٍ تتداخل فيه المودَّة مع الفرح.
على المائدة التي لا تُثريها فقط الأطباقُ المتنوعة، بل أيضًا الوجوه التي تحمل حكايات الحياة يتحوَّل الصمت إلى حديثٍ يحمل بين طيَّاته ذكرياتٍ عذبةً، كل لقاء على تلك المائدة يعكس لحظات تشارك نادرة، حيث تعود القلوب إلى بساطتها، والوجوه إلى ابتساماتها الصافية.
وحين تنقضي صلاة التراويح يعود الجميع إلى مجلسٍ تتنفَّس فيه الأرواح بحُريةٍ؛ ذلك الوقت الذي يجمعهم ليس لمجرد الحديث، بل لتتداخل المشاعر، وتجتمع القلوب على معانٍ لا تُقال؛ تُفهم بالعمق الذي يُثري الأرواح. هناك يبدأ الحوار بين الجالسين يتسرَّب إلى داخل النفس.
كل كلمة تنقل دفئًا، وكل لحظة تحمل في طيَّاتها رسالة من الألفة والتلاحم.
المكان رغم بساطته؟ يصبح مشبعًا بمعاني الروحانية؟ الهواء يضجُّ بسكينة لا يمكن وصفها، وكأن كل شيءٍ يتناغم مع الطقوس التي تحفُّ الشهر الكريم.
الحديث بعد التراويح لا يقتصر على يوميات الحياة؛ بل يمتدُّ إلى حكايات كثيرة عن الحياة، الصبر، والعطاء، والتطلُّع إلى ما هو أسْمى، كل جملة تصبح شعاعًا، وكل نظرةٍ تعكس معنى أعمق.
في تلك الساعات تتلاشى الحواجز التي ربما صنعتها الأيام، وتتقارب القلوب في لحظاتٍ يصعب تكرارها، لا يحمل المجلس سوى التقدير للماضي، وتطلعات مليئة بالإيمان للمستقبل، تتجلَّى في تلك الأوقات معانٍ تتخطَّى حدود الكلمات فتتحوَّل الجلسات إلى سكنٍ للروح، ومرفأ للنفس.
رمضان لا يقتصر على العبادات الظاهرة فقط، ولكن يمتدُّ ليشمل تواصلًا أعمق بين البشر، حيث تُزهر العلاقات بروح التعاون والمحبة، بعد التراويح يشعر الجميع أن الزمن قد أُبطِئ خصيصًا لتتسع اللحظات لكل ما هو جميل؟ ينساب الحديث بسلاسة؟ مُحمَّلًا بمعاني النقاء، وكأنه واحةٌ تروي عطش القلوب.
تلك الجلسات الروحانية التي تحمل في طيَّاتها البساطة والعمق معًا لا تقتصر على الكلمات، بل تحمل معها شعورًا لا يمكن وصفه؛ إنها لحظات تعيد ترتيب أولويات الحياة، وتُذكِّر الجميع أن الجمال يكمُنُ في المشاركة، وأن الصلة بين الأرواح هي أعظم النعم التي يمنحها هذا الشهر الفضيل.
رمضان بلياليه المشرقة، وأيامه المباركة، هو فرصة لأن يجد الإنسان ذاته، ويعيد ترتيب أفكاره، ويكتشف جمال البساطة في كل شيء، فهو رحلة لا تنتهي، ومحطة تتجدَّد فيها المعاني، وتُحيا فيها الأرواح.
ضوء
الحكايات في رمضان أكثر من مجرد لحظةٍ
يبقى أثره في الذكريات أطول من الزمن نفسه.