د.زيد محمد الرماني
إن هناك ترابطاً من حيث المكان الاقتصادي ما بين الإنتاج والاستهلاك. فسوق المستهلك يتقرر على أساس التوزيع الجغرافي للدخل، وهذا بدوره يتوقف على مكان الإنتاج. وعليه يمكن القول أيضاً إن لتغيير المكان الاقتصادي أثراً متجمعاً communitive، على أساس محاولة الإنتاج، اختيار مكان قريب من السوق، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الطلب في السوق، كل هذا يشير إلى أنه لا يمكن تفسير اختيار الأماكن الاقتصادية على أساس توزيع المصادر والسكان فقط.
ولكي يتوصل المرء إلى تفهم هذا الترابط الاقتصادي المعقد، عليه أن يقوم بذلك على مراحل، وذلك بدراسة جميع عوامل الجذب والدفع المتبادل، والتي تؤثر على كل وحدة إنتاجية في اختيارها للمكان الجغرافي المناسب. وذلك من خلال تفهم أسس الترابط الاقتصادي بين المستهلك والمنتج، والتي تؤدي إلى خلق نماذج كاملة لأماكن الصناعات المختلفة وللمجتمعات.
إن المكان الاقتصادي الذي يبدو مثالياً في وقت من الأوقات هو عرضة لتغيرات مفاجئة ومتعددة. وهذه نقطة مهمة. إذ إن معظم المشكلات العملية المتعلقة بالمكان الاقتصادي تنتج عادة عن كيفية استجابة المنتج لمثل هذه التغيرات.
إن كتاب (النظرية المكانية اختيار المكان المناسب للنشاط الاقتصادي) لمؤلفه إدجار هوفر يعد كتابا قيما، يمكن أن يملأ فراغاً أكيداً في المكتبة العربية. وبالنسبة لطلبة الاقتصاد فلا غنى لهم مطلقاً عن دراسة أثر الاتساع الجغرافي على تنظيم النشاطات الاقتصادية. ذلك أن النظرية المكانية تضيف بُعْداً جديداً على أركان المشكلة الاقتصادية الأساسية المعروفة لديهم. وهذا البعد يتعلق بمكان إنتاج السلع والخدمات والعوامل المؤثرة.
يقول هوفر: في هذا الكتاب نحاول أن نجمع ضمن نطاق فكري واحد عدداً من المسائل التي كثيراً ما جرى بحثها على انفراد من قبل الاخصائيين في مختلف العلوم والتي كثيراً ما أهملها الاقتصاديون. وكل هذه المسائل تتعلق بموضوع واحد مهم، ألا وهو المكان الجغرافي الذي يكسب الناس دخلهم فيه والمكان الجغرافي الذي يستهلكون هذا الدخل فيه.
ثم يقول هوفر: لقد بحثنا في الكتاب الأسس التي توضح ترابط أماكن النشاط الاقتصادي، وأهمية تغيير أماكن هذا النشاط، ثم تحديد مدى الدور الذي يمكن للدولة أن تلعبه في مجالي التخطيط والإشراف.
ويؤكد هوفر أخيرا على أن بعض ما بحثه في كتابه يقع تحت عنوان (الاقتصاد المتعلق بموقع المنشأة)، وهذا يشمل عدداً من المسائل المهمة التي تشغل فكر رجال الإدارة والهندسة باستمرار. إذ إن اختيار المكان المناسب للمنشأة قد يكون السبب الرئيس في نجاحها أو في فشلها. أما كيفية اختيار المكان المناسب للنشاط الاقتصادي فهو مهم ليس بالنسبة لصاحب المنشأة بالذات فحسب، بل وبالنسبة للمصالح التجارية والصناعية والخدمات العامة الأخرى.
بَيْدَ أن من أهم المشكلات وأكثرها تعقيداً هي ما يتعلق بالتغييرات التكنولوجية وكيفية التجاوب معها. فالتغيير الدائم الذي يحدث على طرق الإنتاج والمواصلات والتوزيع يتطلب إعادة النظر باستمرار في كيفية استعمال الأرض وفي صلاحية مكان الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك فإن نزوح السكان من مكان إلى آخر واستمرار تزايد عددهم وانتقال الصناعات من مكان إلى آخر هي عوامل تزيد الأمور تعقيداً. ولذا، فإن جميع المسائل المتعلقة بالتنمية العامة وبتنمية الأقاليم وبانتقال الصناعات والسكان، نالت المزيد من اهتمام هوفر في كتابه (النظرية المكانية).
أما الأبحاث المتعلقة باختيار المكان المناسب للنشاط الاقتصادي فإنها تجري عادة ضمن نطاق من العبارات المبهمة. وهذا في رأينا كما يقول هوفر دليل على أننا في حاجة قصوى إلى أسلوب تحليلي أفضل. كما ينبغي أن نتوصل إلى فهم عامل للعوامل الأساسية التي تؤثر على اختيار المكان المناسب للنشاط الاقتصادي. إننا بحاجة إلى تثبيت أقدامنا في هذا الموضوع.