د.محمد بن عبدالرحمن البشر
أحداث الساعة تتسارع حقاً، وتحمل معها الكثير من الوقائع والتوقعات، وتتنقل بين أحداث السياسة وأحداث الاقتصاد وأحداث المجتمعات، في السياسة تتنقل الأحداث بين أقصى الغرب الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها الغربيين في أوروبا، وأخرى أكبر وأهم في روسيا وأوكرانيا، مروراً بآلام وأوجاع وعدم إنصاف في غزة والضفة الغربية وفلسطين المحتلة، وأراضٍ أخرى كثيرة محتلة في سوريا، تلك الأحزان جميعها سببتها ومازالت تسببها إسرائيل، وهناك أيضا أحداث في السودان بسبب أبنائه وتدخلات خارجية، ولا تكتفي الأحداث بذلك بل تسافر إلى أقصى الشرق حيث الصين او كما يسميها الصينيون جونقوا أي الأرض العظيمة.
في المجال السياسي أبرز ما يمكن الحديث عنه، تلك المشادة الكلامية التي نادراً ما تقع على مسرح الأحداث السياسية فما بالك أن تكون حية على الهواء تحت قبة البيت الأبيض بين رئيس أقوى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، و رئيس أكثر دولة في حاجة إلي أمريكا ورئيسها وهي أوكرانيا، وفي الأمور الطبيعية والبرتوكولات السائدة، إن النقاشات الحادة تكون في الغرف المغلقة، بينما تكون الابتسامات والضحكات الدبلوماسية المصطنعة هي الحاضرة أمام العدسات والصحفيين، مع اختيار المواقف المجمع عليها، وتجنب ما اختلف عليه إلا إذا ألح بعض الصحفيين على إثارتها، وأنا من أولئك الذين يأخذون جبلة الفرد بالاعتبار أينما كان موقعه، وكل من الرئيسين له طبائعه الخاصة، التي يصعب عليه مخالفتها، وأذكر أن أحد الصحفيين قبل أكثر من ثلاثين عام سأل رئيس موظفي البيت الأبيض وهو من أصل لبناني عن حدته في التعامل، فكان جوابه هذا أنا، وفي رأيي ان هذا أبلغ جواب، ومن المناسب أن يدرس السياسي الماهر طبائع من يتعامل معه، ويحسن الإستفادة منها، لكن يبدو أن زيلينسكي لم يدرس طبيعة الرئيس ترامب، أو أنه لم يستطع التخلص من طبيعته وشخصيته للاستفادة من الرئيس ترامب الذي هو في حاجة إليه، وجاء إلى واشنطن والأمل يحدوه في أن ينجح في مسعاه، بعد أن مهد له الأمر رئيس وزراء بريطانيا سارتر، والرئيس الفرنسي ماكرون.
النتيجة كما يعلم الجميع غير إيجابية للرئيس الأوكراني، فقد خسر الموقف الأمريكي وهو موقف يعول عليه كثيراً، بل لا يمكن ان يستغني عنه، فكان خطأ فادحاً، قادته له جبلته التي لم يستطع التخلي عنها، وهنا يمكن أن تبرز مهارات السياسي الحاذق من غير الحاذق، فحتى لو لم يكن راضياً عن الطرح فيمكنه التخلص وترك الباب موارباً إلى أن تأتي فرصة أخرى مناسبة، ولكن كل بعقله راض، ومن المؤكد أن ما حدث سيكون له نتائج مؤثرة، وعلينا أن نعلم أن الرئيس الأمريكي بعد اللقاء المشهود تلقى عدة مكالمات من رئيس وزراء بريطانيا وبعض الرؤساء الأوربيين لرأب الصدع بين الطرفين، كما أن البريطانيين استضافوا بعض الرؤساء الأوربيين، والرئيس زيلينسكي للرفع من معنوياته، وإظهار تضامنهم معه، ورتبوا له لقاء مع الملك شارلز إكباراً في حقه.
ولا نغفل أن الظروف والمستجدات المتوقعة وغير المتوقعة تلعب دوراً كبيراً في قلب الطاولة وتغير الحال، وقلب الموازين، مهما كان لدى المرء من صفات وإخلاص وموقع يسمح له بالنجاح، وهذا ما كان زيلينسكي يظنه في نفسه لكن أمر الله هو الغالب.