عايض بن خالد المطيري
معدلات طول الأجسام في أي مجتمع تعكس مزيجاً من العوامل الوراثية والصحية والبيئية التي تؤثر في النمو البشري. في السعودية تظهر الأرقام أن متوسط طول المرأة السعودية يبلغ نحو 150 سم، بينما يتراوح متوسط طول الرجل السعودي بين 167 و170 سم، وهو ما يعد أقل من المعدلات العالمية التي تصل إلى 160 سم للمرأة و175 سم للرجل. هذا التفاوت يثير تساؤلات حول الأسباب والعوامل التي قد تكون وراء هذه المعدلات المنخفضة ولا سيما لدى الوسط النسائي، خاصة أن معدلات الطول تُعتبر مؤشراً مهماً على جودة الصحة العامة والتغذية ونمط الحياة.
تتعدد الأسباب التي يمكن أن تفسر هذا الوضع، ومنها العوامل الوراثية التي تلعب دوراً أساسياً في تحديد الطول، حيث تنتقل الصفات الجينية من الأبوين إلى الأبناء، إلا أن الوراثة وحدها ليست كافية لتبرير هذا الفرق، إذ إن عوامل أخرى مثل التغذية تؤدي دوراً رئيسياً في تحقيق النمو الطبيعي.
الغذاء المتوازن الذي يحتوي على العناصر الأساسية مثل البروتينات والكالسيوم والفيتامينات يُعد ضرورياً خلال مراحل النمو المبكرة، ونقص هذه العناصر قد يؤدي إلى ضعف في بناء العظام وتباطؤ النمو، كذلك نمط الحياة اليومي في السعودية، الذي يتسم بانخفاض النشاط البدني وانتشار الوجبات السريعة يؤثر سلباً على الصحة العامة.
هناك أيضاً عوامل صحية بحسب رأي المختصين قد تسهم في هذه المعدلات المنخفضة، مثل نقص فيتامين (د) والكالسيوم، أو انتشار بعض الأمراض المزمنة التي تؤثر على النمو خلال مرحلة الطفولة. هذه التحديات تتطلب إجراء دراسات طبية معمقة لفهم الوضع بشكل أفضل، وتحليل ما إذا كان هناك تراجع مستمر في معدلات الطول، أم أن الأمر مرتبط بعوامل معينة يمكن معالجتها. الدراسات العلمية قد تكشف عن تأثير العوامل البيئية مقارنة بالوراثية، وتقدم رؤية واضحة عن نمط التغذية ومستوى الوعي الصحي بين أفراد المجتمع وتضع المؤشر على المشكلة وتطرح حلولها.
لمواجهة هذه الظاهرة يصبح من الضروري وضع حلول وقائية وعملية تضمن تحسين معدلات النمو في الأجيال القادمة كما يرى الأطباء.
وهي التثقيف الغذائي وزيادة الوعي بأهمية تناول وجبات متوازنة تحتوي على العناصر الضرورية للنمو، بالإضافة إلى تعزيز النشاط البدني كجزء أساسي من الروتين اليومي للأطفال والمراهقين. متابعة وتحسين الرعاية الصحية للأطفال منذ الولادة وحتى مرحلة المراهقة يعد أيضاً خطوة أساسية، خاصة عبر تشخيص وعلاج أي نقص في العناصر الغذائية. كما أن الاهتمام بتغذية الأمهات الحوامل يلعب دوراً محورياً في ضمان نمو صحي للأطفال منذ المرحلة الجنينية.
ولابد أن ندرك جميعاً أن معدلات الطول ليست مجرد أرقام إحصائية عابرة، بل هي مرآة تعكس جودة الصحة العامة في أي مجتمع.
وفي ظل التفاوت الحالي بين معدلات الطول في السعودية والمعدلات العالمية، ينبغي على المؤسسات الصحية والأكاديمية في السعودية أن تأخذ انخفاض هذه الأرقام كدعوة مهمة لإجراء دراسات دقيقة لتحديد الوضع الحالي، مع وضع استراتيجيات تهدف وتؤدي إلى تحسين قضية الطول وترفع جودة الحياة وتعزيز صحة الأجيال القادمة.