علي حسين (السعلي)
ما هي الانطلاقة التي اتكأت عليها رواية «غراميات شارع الأعشى» في أواخر حقبة السبعينيات؟
هل هي مشاهدات للكاتبة، ومن ثم خيال جامح أوصلها لزيادة شخصياتها وحبكته وعقدته اجتماعيا ودينيا عبر التشدد وانقلاب العادات إلى تزمُّت من قبل الفئة الخارجة عن القانون إن جاز لي التعبير هنا؟!
يعني هذه المسألة القاعدة، والتشدد عموما، قُرأت في روايات كثيرة تر كي الحمد، عبدو خال، رجاء عالم، والكثير.. يعني المؤلفة صاغتها بأسلوبها لتستقيم روايات وغراميات ضمن الأحداث لتُقرأ وتُصاغ وتُفهم، وهذا الذي صار في تحويل الرواية اسما من حذف كلمة غراميات والإبقاء على شارع الأعشى دراميا، بتغيير بعض الأحداث بسيناريو خصيصا لشارع الأعشى، وهو حي بالرياض معروف، ما يهمنا هنا المسلسل شارع الأعشى دون غرامياته التي حذفت من الأصل، وليتها بقيت «غراميات «فالواقعية في النقد الأدبي تعني نقل الواقع كما هو مع زيادة المبالغة غير المضرة، والتي لا تصيب الواقعية في مقتل، تركز الواقعية على الحالات الاجتماعية التي تعتبر لب العمل الروائي مرتبطة بالشخصيات أكثر من عقدة العمل وبدايته ونهايته) نشأت الحركة الأدبية الواقعية في منتصف القرن التاسع عشر في فرنسا، ثم انتشرت في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة. وظلت الواقعية شائعة حتى منتصف القرن العشرين تقريبًا.
ومن السمات المميزة للواقعية أن وجود شخصيات واقعية أكثر أهمية من خطوط
الحبكة المعقدة. تُعرف رواية القصص التي تتضمن اللغة، اللهجة والشخصية الفريدة لمنطقة ما بالإقليمية، والتي كانت شائعة في الأعمال الواقعية. يُنظر إلى الواقعية على أنها استجابة للأعمال الخيالية وأسلوب فترة الرومانسية في الأدب.
إذا نحن مضطرون إلى تتبع مسلسل شارع الأعشى من خلال شخصياتها.. أليس هذا هو المنطق النقدي للأدب العالمي؟
إن مسلسل شارع الأعشى، الذي يعرض حاليا في إحدى الفضائيات العربية تدور شخصياته على عزيزة تلك التي تبحث عن الحب بتقليد أغانيها تلفازا، ومذياعا.. وما تقليدها غناءً ورقصا للفنانة سعاد حسني إلا في ذاك الجيل السبعيني انتشارا لظهور الآلة ومكيف الهواء الذي جلبه خالد صقر في دور شخصية أبو إبراهيم وعمل لهم مفاجأة، وكأنه عيد، حتى التلفون قدمه المخرج في طريقة جلوس من يلتقطه، كلهم نساء وأغلبهم حول تلك الغراميات: عزيزة، عواطف، الجازي، عبر حمام زاجل أو على أسطح المنازل. لكن.. لنقف قليلا على تلك الغراميات الواقعية، نحن نعترف بأنه كان كذلك بطريقة ضيقة وغير مكشوفة، كما فضحها أو أراده مخرجه وأصبح غاية الفتاة آنذاك هو السطح وملاحقة الغرام، وهنا زادت جرعات الغرام، وكأن لحظة التنوير إن جاز لي التعبير هو أسطح البيوت وكلام البنات في الغزل لمبالغة في تلك الغراميات،أفقد المشاهد متعته لمبالغة بتلك الغراميات التي خرجت من الواقعية إلى المبالغة دراميا بشكل فجّ وغير
«عواطف وسعد» تكفي بل مسوّغ فنيا يعني مبالغة مقيتة لا تفيد في قادم الحلقات بتغيير جذري، بل ثانوي، كان غراميات شخصيتي طالت الجازي وعزيز، وأن أم فهد التي طلقها زوجها لخيانتها هذه الصدمات غير مبررة وأضرت بالعمل وأسقطته!
إذاً.. نحن نتعامل الآن مع «شارع الأعشى» وليس غراميات كاتبته بدرية البشر، والتي لها كل الاحترام والتقدير، لكننا بأمانة نناقش فنيا ونقديا منهج الواقعية من خلال سيناريست سيناريو شارع الأعشى! دعونا نفصل في لب العمل الدرامي من حيث عدة نقاط دفعت العمل إلى النجاح جماهيريا:
- بأن قناة فضائية مشهورة عرضته، وسخرت جل إمكانياتها للدعاية له قبل وأثناء عرضه.
- ارتباط اسم المؤلفة بالفنان القدير ناصر القصبي فهي زوجته وكان لها برنامجا ناجحا، وكونت اسمها كروائية مبدعة ورقيا من خلال كتاباتها، وهذا من الصعب أن نتغافل عنه فأوّل ما يأتي اسم المبدعة بدرية البشر يرجع المشاهد والمتابع لزوجها.. القيمة والقامة ناصر القصبي: التصوير، الإخراج، الإنتاج.. كل هذه العوامل جذبت المشاهد العربي
- المكان حي شارع بالرياض، وهذا اتكاء على المحلية غير اعتماد لهجته المحببة للنفس.
- المرأة البدوية بشخصية وضحى.. والتي أبدعت فيها الفنانة السعودية إلهام علي هي من وازنت هبوط الحلقات الأولى من السقوط الدرامي المحرر الممل وهذا التمرد عن البدويات نعرفه بأن المرأة عن مئة رجال ولم تزلن
أما المثالب التي تحتاج تفكير وربما خرجت عن الواقعية كمنهج نقدي خمس إلى ست حلقات من مسلسل شارع الأعشى ومنها:
- إطالة الحلقات في غراميات الثنائي سعد وعواطف رائع من حيث المكان: السطح وتبادل الضحكات، لكن بعد ذلك دخلت عزيزة، والتي تحكي قصتها بما يسمى البطل العليم في الرواية وليس المسلسل أضر بالعمل، كذلك زواج الجازي من سعد والذي انخرط مع جلساء السوء الخارجين عن القانون، كذلك غراميات مزنة مع السوري وكذلك عزيزة نفسها مع الدكتور المصري، وهذا التشعب لخبط المشاهد قليلا، وإن نجح جماهيريا من فئة الشباب رغم أن الحقبة تدور في السبعينيات.
-السؤال المهم هنا، والذي يطرح نفسه: هل هذه الغراميات موجودة في تلك الحقبة والتي شوهت عادات وتقاليد مجتمعنا، معقولة همهم فقط الغزل وكيف تتزوج ممن تحب؟بالمناسبة وأنا أتابع المسلسل بنتي في الثانوي سألتني بلهجتي»يابه معقولة هذا كان عندكم موجودة كما كذيه» صمتُّ ولم أنبس ببنت شفه!
«سطر وفاصلة»
شكراً المبدعة بدرية البشر.
شكرا الفنان خالد صقر.
شكرا لبنتنا السعودية والتي تثبت من مسلسل لآخر بأنها الورقة الرابحة لنجاح أي مسلسل درامي أو فيلم ..الفنانة إلهام علي.
شكرا للمخرج ولمدير التصوير على هذا الإبداع.