عبدالعزيز صالح الصالح
حيث يأتي الشعر في مقدمة الفنون والاجناس الأدبيَّة التي تملك موقعاً متميزاً في الوجدان الإنسانيِّ، على الرغم من تطور أدوات التعبير وابتكار الأساليب الجديدة والشيِّقة في الأداء فالشعر بمثابة الحياة بزخمها وامتلائها... وبهدوئها وعنفوانها، ومع تواتر الحياة وانتقالها من البساطة إلى التعقيد... ومن الوحدة إلى التعدد... ومن الانسجام إلى التنافر والتناحر... ومن خلال ذلك يسطع دور الشعر - حيث يمتلك الشعراء العرب أدوات الشعر العالي الذي يتحلى بالخيال تارة، وباسم المعاصرة أحياناً... وباسم الحداثة ثانياً... وباسم التجديد مرة فهو يجدد في النفس البشرية عهدها بالبساطة والرقي بالمتعة والبهجة والحسن والجمال مما يسحر السمع ويخلب اللب ويشد الانتباه ويسلب العقل وبالألفاظ الجميلة والعواطف النبيلة التي تتسم بالجدة والطرافة والعمق والفصاحة التي تساير الأخيلة، والمعاني الغضة، في شراقة وجزالة ورقة ولوناً كأن لها أرواحاً فهي قصائد لا تخرج عن الأوزان المعتادة ولا تتحرر من القافية فهذه الأبيات الشعرية تنم عن موهبة واسعة وقريحة مطواعة، وحذق في صناعة الشعر فذكرا هؤلاء الرواد الأوائل الذين ملأوا الدنيا والمنتديات بشتَّى أنواع الشعر الذي لا يتغير سواء كتب بالطريقة الخليلية أم بالأسلوب الحديث، ولهذا السبب لا نزال نقرأ بإعجاب بالغ عن هذا الشهر العظيم شهر رمضان المبارك فهذه القصائد حافلة بالمعاني السّامية والمشاعر الإسلاميَّة الصادقة التي تحرك كوامن العقول تاركة صداها العميق والمؤثر على المتلقي والسامع معاً، بل اكتفوا بأن يكون الشعر هو الهاجس... والصوت الأعلى دائماً، فالصدق وحرارة الأسلوب... والمشاركة والعطاء... جواز المرور إلى سلم الحياة والتجدد... فقد استمدت هذه الأبيات الشعرية طاقتها من المخزون العاطفي الثري... ابتداء من عنوانها وحتى آخر سطر وقصيدة فإن مائدة شهر رمضان المبارك تحفل بالكثير والكثير من حكايات ونوادر الصِّائمين، كما يزخر التراث العربيِّ بالعديد من هذه النوادر والتي ما زالت تحفظها كتب التراث العربي فالشعر قد ساير أيام شهر رمضان الكريم وعبر أوجه الشهر في العبادة والزهد والترف وفي أيام الصيام تحلو صحبة الشعر وطرائفه عند الصِّائمين:
يقول الشاعر الحكيم:
يا واحد الفضلاء أنت جمالنا
فَتَهَنَّ بالشهر الشريف الأشرف
شعر بشعر لا رِبا فيه وإن
زاد العباد فوزن هذا الأشرف.
حيث لا تخلو أيَّام هذا الشهر المبارك من ضعاف النفوس الذين لا يقدرون على صيام هذا الشهر الكريم فإن لسان الشعر كان حاداً وهو يهاجمهم ويهجوهم.
كم أناس أظهروا الزهد لنا
فتجافوا عن حلال وحرام
قللوا الأكل وأبدوا ورعا
واجتهاداً في صيام وقيام
ثم لما أمكنتهم فرصة
أكلوا أكل الحزاني في الطعام
وقال آخر في معنى يفوق المعنى السابق حدة وقسوة.
تقصي الاله وأنت تظهر حبهُ
هذا محال في القياس بديعُ
لو كان حبُّك صادقاً لأطعمتُهُ
إنَّ المحب لَمنْ يُحبُّ مطِيعُ
في كل يوم يَبْتَدِيكَ بنعمه
منه، وأنت لشكرِ ذاك مُضيعُ!!.
ومن الأشعار الجميلة التي قيلت في ذم بخلاء الصِّائمين قول الشاعر الحكيم:
أتيت عُمْراً سَحَراً
فقال إني صائم
فقلت إني قاعد
فقال إني قائم
فقلت آتيك غداً
فقال صومي دائم
وقال شاعر آخر:
أتينا أبا طاهر مفطرين
إلى داره فرجعنا صياماً
وجاء يخبز له حامض
فقلت دعوه وموتوا كراماً
فقال الشاعر أبو نُواس هجاء لاذع في البخلاء فلم يستطيع أن يمسك لسانهم عن الهجاء فيهجو الفضل قائلاً:
رأيت الفضل مكتئباً
يناغني الخبز والسمكا
فأسبل دمعه لما
رآني قادماً وبكى
فلما أن حلفت له
بأني صائم ضحكا
يكثر الشعر الذي يتناول صنفاً بعينه، من أصناف الطعام ويتردد على الألسنة من البعض مما يسليهم خلال هذا الشهر الكريم..
فقال الشاعر الحليم:
لله تمرُ طيب
واف على البشر انطوى
يا حسنه مجتمعنا
يحلو لنا بلا نوى
وقال آخر:
أرسلت تمراً بل نوى فقبلته
بيد الوداد فما عليك عتاب
وإذا تباعدت الجسوم فودنا
باق ونحن على النوى أحباب.
وقال شاعر آخر عن ثمرة المشمش في وصف ظريف:
ومشمش جاءنا من أعجب العجب
أشهى إليَّ من اللذات والطرب
كأنه وهبوب الريح ينثره
بنادق خرطت من خالص الذهب
وقال شاعر آخر عن ثمرة التين في وصف جميل وهو يتغزل فيه:
أنعم بتين طاب طعماً واكتسى
حسناً وقارب منظراً من مخبر
في برد ثلج في نقا تبر وفي
ريح العبير وطيب طعم السكر
يحكي إذا ما وصف في أطباقه
خيما ضربن من الحرير الأحمر
فإن معظم البشر حالياً يتخذون من شهر رمضان المبارك موسماً لا شباع شهوتهم من ألوان الأطعمة والمشارب وهكذا تتعدد صنوف الشعر في شهر رمضان المبارك وخاصَّة النوادر والفكاهات والتي نجد فيها جانباً ممتعاً ومسلياً.
والله الموفَّقُ والمعين.