أ.د.عثمان بن صالح العامر
في أول أيام العيد تمسك جوالك وتمر على الأسماء التي تحفظها في ذاكرة هذا الجهاز العجيب.. تقف عند كل اسم.. تحاول أن تسترجع ذكرياتك ومواقفك مع صاحب الرقم العزيز الذي ربَّما مر عليه أعوام وهو ساكن في مكانه دون أن ينتقل من خانة الخمول إلى التفعيل لسبب أو لآخر.. البارحة وأنا أفعل هذا الشيء..
- استوقفني رقم أخي الأكبر وحبيبي الغالي وصديقي العزيز عبد الكريم (أبا صالح) الذي صار قبل ما يزيد على الأربع سنوات في عداد الأموات فترحمت عليه وسألت الله له، وهممت حينها بمسحه من قائمة الموجودين، ولكنني ترددت أول الأمر، ثمَّ أحجمت وقررت صرف النظر عن هذا الفعل خوفًا من أن يحرم الوالد والأخ والصديق - الذي لم يفرق ذاكرتي وما زال حاضراً في حياتي - بمسحي للرقم الذي كان رقمه يومًا ما دعوة أهديها له وهو في قبره كل ما مررت على اسمه في جهات الاتصال، فضلاً عن أن وجوده وباسمه هو يذكرني كُلَّما قلبت الأسماء كيف حال رقمي حين أوّدع عالم الأحياء إلى دار البرزخ.
- وقفت عند رقم زميل آخر كان معنا يومًا ما وما هي إلا سنوات حتَّى عاد لبلاده بعد أن ترك سيرة عطرة تجعل كل من عرفه يذكره بخير، ويحاول التواصل معه وإن نأت به الديار وغاب عن الأنظار.
- تساءلت بيني وبين نفسي عن زميلنا صاحب هذا الرقم الذي كان معنا داخل أروقة الحرم الجامعي وفي وسط المجتمع الأكاديمي شعلة نشاط، غاب عنا ولم نسمع عنه شيئاً منذ صار في منظومة المتقاعدين.
- كثيرة هي الأسماء التي تتجدَّد مواقعها ويبقى جوهرها الذهبي الناصع كما عرفته منذ زمن ليس بالقصير، وفي المناسبات وحين تكون الأعياد وعندما تحل الأفراح يكون ضمن منظومة الحاضرين وبقوة.
- حاولت جهدي أن أجدد عهدي مع أناس عرفتهم شرق الدنيا وغربها، شمالها وجنوبها لحظة من الزمن الفائت ولو برسالة تدل على أنني هنا وأن لهم رقماً موجوداً احتفظ به حتَّى تاريخه.
- فشلت أكثر من مرة في تذكر أناس استقبلت معايداتهم وغابت عني ملامح وجّههم وأماكن وجودهم إن كان منهم التعريف بأنفسهم في ذيل رسائلهم.
جميل العيد حين يكون الوصل ويتحقق الاتِّصال، والأجمل أن تُجري أو تتلقى اتِّصالاً أو رسالة من:
- رمز من رموز القيادة في بلادنا المباركة يبارك لك مناسبة العيد، ويدعو لك ولعائلتك، ويحملك نقل سلام شخصه الكريم ومباركته للجميع.
- صديق لأبيك الذي مات منذ ما يقارب الثلاثة عقود، يعرفك على نفسه بأنه رفيق أبيك ومحبه والداعي له في ظهر الغيب، مع أن الحق له وهو في مقام المتفضَّل عليك.
- أستاذ عزيز وعالم جليل يتصل بك ليقول لك: كل عام وأنت بخير مع أنك لا تعدو أن تكون طالباً من طلابه الكثر الذين كلّهم وحتى أكون منصفًا جلَّهم يفتخر ويشرف بالدراسة على يده.
هؤلاء الكبار الذين لا تجد ما ترد جميلهم عليك ولا يمكن مكافآتهم بشيء غير الدُّعاء لهم في ظهر الغيب، هم في ميزان العقل والمنطق السليم القدوة والمثال والأنموذج الرائع الذي يحتذى به، وفي مثل هذه المناسبات تكتشف شيئًا من معادن الرجال.
وفي المقابل تعجب من حال البعض ممن رزقهم الله بقاء والديهم أحياء يغيبون عنهم في مثل هذه المناسبات بلا عذر مقبول مع أن هذين الأبوين ينتظران العيد ليجتمع حولهما الأبناء والبنات ويجددان عهد الصبا وذكريات الطفولة وقد يكونا بحاجة ماسَّة لهما عاطفياً ونفسياً بل وربما اجتماعياً، أو أب يترك أولاده وزوجه ويسافر بلا سبب مقنع هذه الأيام التي يحرص كل رب أسرة أن يكون مع أهله وحول محبيه.
إن مناسبة العيد نعمة ومنَّة من الله يستشعر قيمتها من حرم لذَّة التواصل مع مجتمعه المحلي طوال أيام العام، أو أنه يعيش في غربة سنوات طويلة وجاء ليشارك أهله هذه الفرحة، أو كان مريضاً، أو سجيناً، أو... فلنعرف لهذه الأيام قيمتها وليكن منا المبادرة لا المكافأة في الاتِّصال أو حتَّى رسائل الجوال، وخيرنا من يبدأ بالمباركة، دمتم بخير، وتقبلوا جميعًا صادق الود، وكل عام وأنتم ترفلون بثوب الأنس والسعادة وتنعمون بالأمن والإيمان، ودمت عزيزًا يا وطني وإلى لقاء والسلام.